وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ
ــ
[مغني المحتاج]
كَرِيَاضَتِهَا لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ سَلَّاخٍ (لِيَسْلُخَ) الشَّاةَ (بِالْجِلْدِ) الَّذِي عَلَيْهَا، (وَلَا) طَحَّانٍ عَلَى أَنْ (يَطْحَنَ) الْبُرَّ مَثَلًا (بِبَعْضِ الدَّقِيقِ) مِنْهُ كَرُبْعِهِ (أَوْ بِالنُّخَالَةِ) مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطِّحَانِ» ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ قَفِيزًا مَطْحُونًا، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ مَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَك نَظِيرُ الْعُشْرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجَعْلِ.
تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّحْنَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَطْحَنْ الْكُلَّ أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ قَالَ لِتَطْحَنْ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ) كَرُبُعِهِ (فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ عَمَلِهَا يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمُسَاقَاةِ شَرِيكِهِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ، كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبْعِهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَارٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ - وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ - مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِ الشُّرُوطِ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً) ، لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَقَوِّمَةِ هُنَا مُقَابِلَةَ الْمِثْلِيَّةِ، بَلْ مَا لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إمَّا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لِخِسَّتِهَا أَوْ قِلَّتِهَا يَكُونُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا وَتَبْذِيرًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْلُومَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ. وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ.
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute