اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ.
وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا،
ــ
[مغني المحتاج]
اسْتِئْجَارُ) تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ) قَائِلَهَا (وَإِنْ) كَانَتْ إيجَابًا وَقَبُولًا وَ (رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ) ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. لَكِنْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُتْعَبْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ. أَمَّا مَا يَحْصُل فِيهِ التَّعَبُ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ آيَةً لَا تَعَبَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّدَاقِ، وَكَذَا عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّ فِيهِ كُلْفَةَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ صَافِيَةً مِنْ الْإِشْكَالِ، وَتَقْوَى الصِّحَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْأَذَانِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِنَاعَاتٌ يَتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) لِلْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، (وَكَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (لِلصَّيْدِ) وَنَحْوِهِ كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ دَرْبٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزْيِينِ بِالنَّقْدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَالْكَلْبُ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ. وَالثَّانِي: يُنَازِعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ التَّزْيِينِ فِي ذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى سِكَّتِهَا وَالْوَزْنُ بِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا، أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةً.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute