وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ
ــ
[مغني المحتاج]
الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي وَقْتِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ عَرَضَ لَهُ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْخَوْفِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ.
تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالرَّبْطِ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، وَإِلَّا لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَ قِدْرًا لِلرَّدِّ عَلَى دَابَّةٍ فَانْكَسَرَتْ الْقِدْرُ بِتَعَثُّرِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَقَلُّ بِحَمْلِهَا أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ حَمْلُهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تُرَدُّ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَمْلِهَا.
(وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي يَدِ أَجِيرٍ) قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْهُ فِيهِ (كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ (- لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) ذَلِكَ الْأَجِيرُ (بِالْيَدِ) ، وَفَسَّرَ عَدَمَ الِانْفِرَادِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ) وَلَمْ يَقْعُدْ، وَكَذَا لَوْ حَمَّلَهُ الْمَتَاعَ وَمَشَى خَلْفَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا اسْتَعَانَ بِالْأَجِيرِ فِي شُغْلِهِ كَالْمُسْتَعِينِ بِالْوَكِيلِ، (وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ) بِالْيَدِ، سَوَاءٌ الْمُشْتَرَكُ وَالْمُنْفَرِدُ، فَإِنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) . وَالثَّانِي: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَانَ لَا يَبُوحُ بِهِ خَشْيَةَ قُضَاةِ السُّوءِ وَأُجَرَاءِ السُّوءِ. وَقَالَ الْفَارِقِيُّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ: أَيْ بِالثَّانِي لِفَسَادِ النَّاسِ. قَالَ: وَلِي نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا أَفْتَيْتُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا حَكَمْتُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ. (وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ) ، وَفَسَّرَ الْمُشْتَرَكُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ) كَعَادَةِ الْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ، وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ لِجَمَاعَةٍ فَذَاكَ، أَوْ لِوَاحِدٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ لِآخَرَ مِثْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، (لَا) الْأَجِيرُ (الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ شَرْعًا الْتِزَامُ مِثْلِهِ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْفِرَادِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مَنَافِعُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمُدَّةِ، فَيَدُهُ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute