وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ كَوْنُهُ أَوْقَعَ الْإِجَارَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَقَدْ يُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ كَعَكْسِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " بِلَا تَعَدٍّ " عَمَّا إذَا تَعَدَّى فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا قَطْعًا، كَمَا لَوْ أَسْرَفَ الْخَبَّازُ فِي الْوَقُودِ أَوْ تَرَكَ الْخُبْزَ فِي النَّارِ حَتَّى احْتَرَقَ، أَوْ ضَرَبَ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ الصَّبِيَّ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ مُمْكِنٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي عُمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْأَجِيرَ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ فَبِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَبِوَقْتِ التَّلَفِ.
فَرْعٌ
الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الدُّكَّانِ مَثَلًا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إذَا أُخِذَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْمَالِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَارِسِ فِي السِّكَّةِ لَوْ سُرِقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السِّكَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ الْخُفَرَاءَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. .
(وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا) بِلَا اسْتِئْجَارٍ (إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ) إلَى (خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَغَسَّالٍ يَغْسِلُهُ (فَفَعَلَ) ذَلِكَ (وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ عِوَضًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَطْعِمْنِي فَأَطْعَمَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةً بِالْإِجْمَاعِ، (وَقِيلَ: لَهُ) أُجْرَةُ مِثْلٍ، لِاسْتِهْلَاكِ الدَّافِعِ عَمَلَهُ، (وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ) بِأُجْرَةٍ (فَلَهُ) أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ (فَلَا) أُجْرَةَ لَهُ، (وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ) هَذَا الْوَجْهُ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ وَقِيَامِهِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ النَّاسِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الِاخْتِيَارُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ أُفْتِي بِهِ وَأَفْتَى بِهِ خَلَائِقُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا قُلْنَا لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا، إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَعْوَاضِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً عَمَّا إذَا قَالَ: مَجَّانًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا، وَمَا لَوْ ذَكَرَ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَالْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَرَّضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute