وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَيْنَ،
ــ
[مغني المحتاج]
بِذِكْرِ أُجْرَةٍ كَاعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك أَوْ اعْمَلْ وَمَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: حَتَّى أُحَاسِبَك اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تُرَدُّ هَذِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ أُجْرَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ مَسَائِلُ:
إحْدَاهَا عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ عَمَلَهُ تَابِعٌ لِمَا فِيهِ أُجْرَةٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
ثَانِيهَا عَامِلُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ.
ثَالِثُهَا عَامِلُ الْقِسْمَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلِلْقَاسِمِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، كَذَا اسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ، وَنَازَعَ فِي التَّوْشِيحِ فِي اسْتِثْنَائِهَا، وَقَالَ: إنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْحَمَّامِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، صَرَفُوا مَنَافِعَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَالدَّاخِلُ لِلْحَمَّامِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ، فَالْحَمَّامِيُّ فِيهِ كَالْأَجِيرِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ دَخَلَ سَفِينَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَى السَّاحِلَ فَإِنَّهُ كَالْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَ: أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حَتَّى سَيَّرَهَا، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ.
فَرْعٌ
مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْآلَةِ مِنْ سَطْلٍ وَإِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، فَالْحَمَّامِيُّ مُؤَجِّرٌ لِلْآلَةِ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا كَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ، وَالْآلَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّاخِلِ الْآلَةُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ فَقَطْ.
(وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ: بِمِيمٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ: بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: أَكْبَحَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ جَذَبَهَا بِاللِّجَامِ لِتَقِفَ، وَقَوْلُهُ: (فَوْقَ الْعَادَةِ) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا) وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ (ضَمِنَ الْعَيْنَ) أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute