للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْبُخَارِيِّ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» (١) ، (وَكَذَا بَاطِنُهُ) وَهُوَ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقُولُ آلَةُ الدَّبْغِ لَا تَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ أَوْ رُطُوبَةِ الْجِلْدِ، فَعَلَى الثَّانِي لَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الرَّطْبِ.

وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا سَيَأْتِي، وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ بَاطِنُ الْجِلْدِ أَنَّهُ لَوْ نَتَفَ الشَّعْرَ بَعْدَ الدَّبْغِ صَارَ مَوْضِعُهُ مُتَنَجِّسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا. وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَطْهُرُ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ اهـ.

وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُعْفَى، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَبَعْضُهُمْ وَجَّهَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأُفْتِي بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ مُطْلَقًا لِخَبَرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اهـ.

وَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ جِلْدُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ، مِنْ الدَّبْغِ، وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ (وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ) وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَاتُهُ الَّتِي يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهَا وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ (بِحِرِّيفٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَا يُحَرِّفُ الْفَمَ: أَيْ يَلْذَعُ اللِّسَانَ بِحَرَافَتِهِ.

قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَالْقُرْطِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَالشَّثِّ بِالْمُثَلَّثَةِ: وَهُوَ شَجَرٌ مُرُّ الطَّعْمِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُدْبَغُ بِهِ، وَالشَّبِّ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ مَعْرُوفٌ يُشْبِهُ الزَّاجَ يُدْبَغُ بِهِ أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّاهِرِ كَمَا مَرَّ وَالنَّجِسِ: كَذَرْقِ الطُّيُورِ (لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ) وَتَجْمِيدٍ وَتَمْلِيحٍ مِمَّا لَا يَنْزِعُ الْفُضُولَ وَإِنْ جَفَّ الْجِلْدُ وَطَابَتْ رَائِحَتُهُ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ لَمْ تَزُلْ، وَإِنَّمَا جَمَدَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ.

(وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الدَّبْغِ (فِي الْأَصَحِّ) تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِحَالَةِ، وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالثَّانِي: يَجِبُ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُطَهِّرُهَا: أَيْ الْإِهَابَ الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ إحَالَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ إزَالَةٌ فَيُشْتَرَطُ (وَ) يَصِيرُ (الْمَدْبُوغُ) وَالْمُنْدَبِغُ (كَثَوْبٍ نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٍ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ أَوْ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهِ قَبْلَ طُهْرِ عَيْنِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ نَقْعِهِ فِي الْمَاءِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ ثَانِيًا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ نَقْعُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، وَإِذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَيُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>