وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فَلَا وَجِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ
ــ
[مغني المحتاج]
وَيُشْرَبُ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ (وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ) وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ التَّخَلُّلِ أَوْ فَتْحِ رَأْسِ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةِ خِلْقَتِهَا تَطْهُرُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تَطْهُرُ لِمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءِ) فِيهَا كَالْبَصَلِ وَالْخُبْزِ الْحَارِّ وَلَوْ قَبْلَ التَّخَمُّرِ (فَلَا) تَطْهُرُ لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ بِهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، وَقِيلَ لِاسْتِعْجَالِهِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُقُوعِ بَدَلَ الطَّرْحِ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ طَرْحٍ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْقَائِلِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيمَا ذَكَرَ كَذَلِكَ. نَعَمْ لَوْ عَصَرَ الْعِنَبَ وَوَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ حَبَّاتٍ فِي عَصِيرِهِ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَوْ نَزَعَ الْعَيْنَ الطَّاهِرَةَ مِنْهَا قَبْلَ التَّخَلُّلِ لَمْ يَضُرَّ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ يَقْبَلُ التَّنْجِيسَ فَلَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَمْ يَطْهُرْ الدَّنُّ، إذْ لَا ضَرُورَةَ، وَلَا الْخَلُّ؛ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ، فَلَوْ غَمَرَ الْمُرْتَفِعَ بِخَمْرٍ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ وَلَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِقَبْلِ الْجَفَافِ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ. وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيذَ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ كَالتَّمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الِاشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الِانْقِلَابِ خَلًّا.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ أَوْ خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ صَحَّ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أَوْ بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْخَلِّ الْغَالِبِ لِمَا ذُكِرَ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ: قَدْ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ:
إحْدَاهَا أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعْتَقِ بِالْخَلِّ.
ثَانِيهَا: أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ، فَيَصِيرَ بِمُخَالَطَتِهِ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَصِيرُ غَالِبًا.
ثَالِثُهَا: إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَيَمْلَأُ مِنْهَا الدَّنَّ وَيُطَيِّنُ رَأْسَهُ، وَيَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا غُسِلَتْ وَإِمْسَاكُ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَجِبُ إرَاقَتُهَا، فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ (وَ) ثَانِيهِمَا (جِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ) يَعْنِي بِانْدِبَاغِهِ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ رِيحٍ أَوْ إلْقَائِهِ عَلَى الدَّابِغِ كَذَلِكَ (ظَاهِرُهُ) وَهُوَ مَا لَاقَى الدَّابِغَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute