وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ
وَلَمْ يُتِمَّهُ أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
بِئْرِ الْقَنَاةِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَجَرَيَانُهُ، وَلَوْ حَفَرَ نَهْرًا مُمْتَدًّا إلَى النَّهْرِ الْقَدِيمِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لِيَجْرِيَ فِيهِ الْمَاءُ مَلَكَهُ وَلَوْ لَمْ يُجْرِهِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ السُّكْنَى فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ.
(وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ) لِنَوْعٍ فَغَيَّرَهُ لِنَوْعٍ آخَرَ مَلَكَهُ بِمَا يُحْيِي بِهِ ذَلِكَ النَّوْعَ كَأَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ بُسْتَانٍ ثُمَّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً؛ مَلَكَهُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَزْرَعَةُ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، لَا عَلَى مَا حَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لَوْ قَصَدَهَا، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ.
وَلَوْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ (وَلَمْ يُتِمَّهُ) كَأَنْ حَفَرَ أَسَاسًا أَوْ جَمَعَ تُرَابًا (أَوْ أَعْلَمَ) عَطْفٌ عَلَى شَرَعَ: أَيْ جَعَلَ لَهُ عَلَامَةَ الْعِمَارَةِ (عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا) فِيهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَنْ خَطَّ خَطًّا أَوْ جَمَعَ تُرَابًا حَوْلَهَا (فَمُتَحَجِّرٌ) لِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْهُ (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ: يَعْنِي مُسْتَحِقًّا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَلْيُفِدْ الشُّرُوعُ فِيهِ الِامْتِنَاعَ كَالِاسْتِيَامِ مَعَ الشِّرَاءِ، وَهَذِهِ الْأَحَقِّيَّةُ أَحَقِّيَّةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِحْيَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ، فَإِنْ خَالَفَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ مَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِحَجْرِهِ أَصْلًا. الثَّانِي: الْقُدْرَةُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْإِكْمَالِ. فَلَوْ تَحَجَّرَ مَا يَعْجِزُ عَنْ إحْيَائِهِ؛ كَانَ لِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ كَمَا مَرَّ.
وَلَمَّا كَانَتْ أَحَقِّيَّةُ الْمُتَحَجِّرِ مَا يَحْجُرُهُ قَدْ تُوهِمُ أَحَقِّيَّةَ الْمِلْكِ اسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ أَحَقِّيَّةُ اخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَلَا هِبَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِيثَارُهُ بِهِ كَإِيثَارِهِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَيَصِيرُ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ وَيُورَثُ عَنْهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَكَأَنَّهُ يَتْبَعُ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ كَبَيْعِ عُلُوِّ الْبَيْتِ لِلْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى دُونَ أَسْفَلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اسْتَدْرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَدْرَكٌ كَمَا قِيلَ، فَإِنَّ عَدَمَ الْبَيْعِ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَقُّ أَعَمُّ فَيُصَدَّقُ بِالْأَحَقِّيَّةِ مَعَ الْمِلْكِ فَيَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ، فَلِذَلِكَ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: لَكِنَّ إلَخْ.
تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ لِمَنْعِ الْبَيْعِ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ مَعَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute