وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ لَغَا، وَقِيلَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا
وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ
ــ
[مغني المحتاج]
يَمْلِكُ، فَإِنْ عَجَزَ بَانَ أَنَّ الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ عَتَقَ وَقَدْ قَيَّدَ الْوَقْفَ بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ بَانَ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ دَامَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَفِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِمُكَاتَبِ فُلَانٍ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ، أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْمُبَعَّضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ عَلَى نِصْفِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْوَقْفِ عَلَى عَلَفِ الدَّوَابِّ الْمُرْصَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الدَّارِ وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَلَّكُ إلَّا إنْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ لِطَارِقِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ وَإِلَّا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ، فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ.
(وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ) مَمْلُوكَةٍ أَوْ قَيَّدَهُ بِعَلَفِهَا (لَغَا) الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ، كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهَا وَلَا الْوَصِيَّةُ (وَقِيلَ: هُوَ) فِي الْمَعْنَى (وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا) فَيَصِحُّ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لَهُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ قَصَدَ مَالِكُهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمَوْقُوفَةُ كَالْخَيْلِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُبَاحَةُ كَالْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا جَزْمًا. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ حَمَامُ مَكَّةَ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
(وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ مَعْصِيَةٍ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى خَادِمِ الْكَنِيسَةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى حُصْرِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَالْجَمَاعَةُ الْمُعَيَّنُونَ كَالْوَاحِدِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ الْيَهُودِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاهَدُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا لَوْ لَحِقَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَاذَا يَفْعَلُ بِغَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute