للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ تَصَدَّقْت فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَإِنْ نَوَى إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْوِيَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْتُهُ أَوْ أَبَّدْتُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ وَلَا تُوهَبُ بِالْوَاوِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ كَافٍ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مَعَ جَزْمِهِ أَوَّلًا بِصَرَاحَةٍ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ يَجِيءُ الْخِلَافُ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهِ. قَالَ: وَلَوْلَا وُثُوقِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْمِنْهَاجُ عِنْدِي بِخَطِّهِ لَكُنْت أَتَوَهَّمُ أَنَّ مَكَانَ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَكِنَّ الْخِلَافَ مَحْكِيٌّ مِنْ خَارِجٍ؛ لِأَنَّ فِي صَرَاحَةِ لَفْظِ الْوَقْفِ وَجْهًا فَطُرِدَ مَعَ انْضِمَامِهِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ: أَيْ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَصَحِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ مَوْقُوفَةٌ مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ، وَيَكُونُ الْقَصْدُ كِتَابَةَ لَفْظَةِ مُؤَبَّدَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، فَسَبَقَ الْقَلَمُ إلَى كِتَابَةِ مَوْقُوفَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ التَّحْرِيمِ كِنَايَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْكِنَايَةَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي أَبَدًا؛ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا كِنَايَةً، فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَالطَّلَاقِ،.

أُجِيبَ بِأَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مَحْصُورَةٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي أَبَدًا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْفُسُوخُ، وَالزَّائِدُ فِي أَلْفَاظِ الْوَقْفِ يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: تَصَدَّقْت يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ، وَلَهُ مَحْمَلَانِ: مَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمِلْكَ، وَمَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ الْوَقْفُ، فَالزَّائِدُ يُعَيِّنُ الْمَحْمَلَ الثَّانِيَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ (وَقَوْلُهُ: تَصَدَّقْت فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ) فِي الْوَقْفِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَقْفُ (وَإِنْ نَوَى) الْوَقْفَ لِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ (إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ) كَالْفُقَرَاءِ (وَيَنْوِيَ) الْوَقْفَ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا حِينَئِذٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَالْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمُ الصَّرَاحَةِ، وَإِنَّمَا إضَافَتُهُ إلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ صَيَّرَتْهُ كِنَايَةً حَتَّى تَعْمَلَ فِيهِ النِّيَّةُ، وَهُوَ - كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. أَمَّا إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يَنْفُذُ فِيمَا هُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ مَحْضُ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ وَقْفًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَلِيمٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْتُهُ) لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا (أَوْ أَبَّدْتُهُ) عَلَيْهِمْ (لَيْسَ بِصَرِيحٍ) بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>