وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظٍ.
وَصَرِيحُهُ وَقَفْت كَذَا أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
بِنَائِهَا نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُؤَنِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْبَلَدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَوَقْفُ بَقَرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا عَلَى رِبَاطٍ إذَا قَالَ: لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا مَنْ يَنْزِلُ أَوْ لِيُبَاعَ نَسْلُهَا وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ فِي مَصَالِحِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ قَالَ الْقَفَّالُ: لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدِ كَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يُبَيِّنَ جِهَةَ مَصْرِفِهِ، وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تُخَالِفُهُ اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، فَقَالَ: (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (إلَّا بِلَفْظٍ) مِنْ نَاطِقٍ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى، وَكَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، وَفِي مَعْنَاهُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَكِتَابَتُهُ، بَلْ وَكِتَابَةُ النَّاطِقِ مَعَ نِيَّتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ مُغْنِيَانِ هُنَا عَنْ الْقَوْلِ، وَوَجَّهَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمَوَاتَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلَفْظٍ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ إجْرَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَدُلُّ لَهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَذِنْت فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَارَ مَسْجِدًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
ثُمَّ لَفْظُ الْوَاقِفِ يَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَصَرِيحُهُ) كَأَنْ يَقُولَ: (وَقَفْت كَذَا) عَلَى كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) يَقُولَ (أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ) لِاشْتِهَارِهِ لُغَةً وَعُرْفًا، وَإِنَّمَا قَالَ: مَوْقُوفَةٌ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ (وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ) أَيْضًا، أَيْ الْمُشْتَقُّ مِنْهُمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِتَكَرُّرِهِمَا شَرْعًا وَاشْتِهَارِهِمَا عُرْفًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَقْفٌ إلَّا بِهِمَا. وَالثَّانِي: هُمَا كِنَايَتَانِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَهِرَا اشْتِهَارَ الْوَقْفِ (وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ) صَدَقَةً (مَوْقُوفَةً أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّصَدُّقِ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَقْفِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِغَيْرِهِ، وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي هُوَ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute