جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى: أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ.
وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لَا كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ فَلَا إلَّا حَبَّتَيْ
ــ
[مغني المحتاج]
جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ طُولِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ) وَهُوَ الصِّحَّةُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ (وَالْقَدِيمِ) وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّفْسِيرِ فِي عَقْدِ الرُّقْبَى بَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْقَبْتُك. نَعَمْ إنْ عَقَدَهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَوَهَبْتُهَا لَك عُمْرَك اُحْتِيجَ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ.
وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَطِيَّتَيْنِ مَخْصُوصَتَيْنِ، فَالْعُمْرَى مِنْ الْعُمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَهُ، وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَصِحَّةُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ. لَكِنَّ الْحَدِيثَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ وَكُلِّ قِيَاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِمَا أَمْرٌ وَنَهْيٌ، فَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِمَا لِلنَّهْيِ وَصِحَّتِهِمَا لِلْحَدِيثِ، كَمَا قُلْنَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ لَمْ يَبْعُدْ وَبُسِطَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ فِي الرُّقْبَى مِنْ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي الْعُمْرَى، وَلَوْ جَعَلَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا دَارِهِ لِلْآخَرِ رُقْبَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ عَادَتْ لِلْآخَرِ فَرُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ضَابِطًا لَهُ بِضَابِطٍ، فَقَالَ (وَ) كُلُّ (مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ) بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّاءَ مِنْ جَازَ هِبَتُهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْنِيثَ الْهِبَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ أَوْ لِمُشَاكَلَةِ جَازَ بَيْعُهُ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ: مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ أَوْ أَعْتَقَهَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يَجُوزُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَمِنْهَا بَيْعُ الْمَوْصُوفِ سَلَمًا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ، وَيَمْتَنِعُ هِبَتُهُ كَوَهَبْتُكَ دِينَارًا فِي ذِمَّتِي ثُمَّ يُعَيِّنُهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَمِنْهَا الْقَيِّمُ وَالْوَصِيُّ عَلَى مَالِ الطِّفْلِ يَصِحُّ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِهِ لَا هِبَتُهُ. وَمِنْهَا هِبَةُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْإِجَارَةِ، وَفِي هِبَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وَهَبَ مَنَافِعَهُ عَارِيَّةً وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وَهَبَ مَنَافِعَهُ أَمَانَةً، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَ) كُلُّ (مَا لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ (كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ (وَضَالٍّ) وَآبِقٍ، (فَلَا) تَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا حَبَّتَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute