حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ وَلِغَيْرِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ كَشَعِيرٍ، فَإِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فِيهِمَا، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ. لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَيْرُهُ إنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ مَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمِنْهَا إذَا لَمْ تَعْلَمُ الْوَرَثَةُ مِقْدَارَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ الْإِرْثِ، كَمَا لَوْ خَلَّفَ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا خُنْثَى. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ الَّذِينَ وَقَفَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهَالَةٍ وَلَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَطَ حَمَامُ بُرْجَيْنِ فَوَهَبَ صَاحِبُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ لِلْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حِنْطَتُهُ بِحِنْطَةِ غَيْرِهِ، أَوْ مَائِعُهُ بِمَائِعِ غَيْرِهِ، أَوْ ثَمَرَتُهُ بِثَمَرَةِ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْ مَالِي أَوْ تُعْطِي أَوْ تَأْكُلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ دُونَ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ إبَاحَةٌ، وَهِيَ تَصِحُّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِهِمَا. وَمِنْهَا صُوفُ الشَّاةِ الْمَجْعُولَةِ أُضْحِيَّةً وَلَبَنُهَا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَمِنْهَا الطَّعَامُ الْمَغْنُومُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ تَجُوزُ هِبَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ أَكْلُهُ هُنَاكَ، وَلَا يَصِحُّ لَهُمْ تَبَايُعُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ لِلْغَانِمِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَمِنْهَا الثِّمَارُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَجُوزُ هِبَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَكَذَا الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ.
وَمِنْهَا مَا لَوْ وَهَبَ الْأَرْضَ مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفَرَّدُ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ فِي الْأَرْضِ وَتُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ هُنَا عَلَى الْأَرْجَحِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَذْرِ لَا تَضُرُّ فِي الْأَرْضِ إذْ لَا ثَمَنَ وَلَا تَوْزِيعَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ الْمُتَحَجِّرُ مَا تَحَجَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ وَتَجُوزُ هِبَتُهُ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ وَهَبَ مَرْهُونًا أَوْ كَلْبًا وَلَوْ مُعَلَّمًا، أَوْ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ، أَوْ دُهْنًا نَجِسًا لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأَوَانِي مِنْ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ تَصِحُّ هِبَتُهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْلِ الْيَدِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ كَمَا صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ هِبَتَهُ لَا تَصِحُّ.
(وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ) لَهُ مِنْهُ لَا يَحْتَاجُ قَبُولًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ صَرِيحٌ فِي الْإِبْرَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: إنَّهُ كِنَايَةٌ، وَتَرْكُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ كِنَايَةُ إبْرَاءٍ (وَ) هِبَتُهُ (لِغَيْرِهِ) وَهُوَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute