بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ إلَّا بِقَبْضٍ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
(بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُقْبَضُ مِنْ الدُّيُونِ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: صَحِيحَةٌ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ تَبَعًا لِلنَّصِّ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِهِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قِيلَ بَلْ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ هِبَةَ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي بُطْلَانِ هِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَرْجِيحِ الْبَيْعِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ.
فَرْعٌ تَمْلِيكُ الْمِسْكِينِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهِ إبْدَالٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِيمَا عَلَى غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا.
(وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ) بِالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ غَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ وَذَاتِ الثَّوَابِ الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (إلَّا بِقَبْضٍ) ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ ثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً مِسْكًا ثُمَّ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَرَى النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي قَدْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ إلَّا تُسْتَرَدُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ فَهِيَ لَكِ فَكَانَ كَذَلِكَ» لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ، فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَالْمَقْبُوضُ بِهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ، وَبِغَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ الضِّمْنِيَّةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْتِمَاسُ الْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، وَبِغَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ذَاتُهُ، فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ.
تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُهُ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ (بِإِذْنِ الْوَاهِبِ) فِيهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ أَمْ لَا، فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لَمْ يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقِّ الْقَبْضِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ عَنْهُ فَأَكَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ قَبْضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمَوْهُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute