للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ، وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ،

ــ

[مغني المحتاج]

«أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْمَرَضِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ. وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ. قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِحُرْمَتِهَا.

تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّف أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا لَا يُطْلَبُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَيَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ لِأَنَّ يَنْبَغِي إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى يُنْدَبُ كَمَا حَلَّيْتُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَجِبُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يُجْزَمُ بِحُرْمَتِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ. وَسُنَّ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثُّلُثِ شَيْئًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلِاسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّف فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يُسْتَحَبُّ النَّقْصُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ (فَإِنْ زَادَ) فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ (وَرَدَّ) (الْوَارِثُ) الْخَاصُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ) عَلَى الثُّلُثِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ يُوقَفُ إلَى تَأَهُّلِ الْوَارِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَدَ الْوَارِثِ عَلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفَ (فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ) أَيْ: إمْضَاءٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي بِالزَّائِدِ، وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ) أَيْ هِبَةٌ (مُبْتَدَأَةٌ) مِنْ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ بَلْ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَجَازُوا وَرَدَّ الْوَارِثُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِسُقُوطِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَالْإِجَازَةُ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ دَفِينٌ وَنَحْوُهُ وُفُّوا مِنْهُ، وَإِذَا قُلْنَا تَنْفِيذٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَرَثَةِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ) لَا فَائِدَةَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَطِيَّةً مِنْ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا تَنْفِيذٌ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَقْلٌ. اهـ.

وَيُؤَيِّدُ الْقِيَاسَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ (وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ) الْمُوصَى بِثُلُثِهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ زَادَ مَالُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>