وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَائِدَةٌ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي تَرْجَمَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَحُسْنُ الْجِوَارِ عِمَارَةٌ لِلدِّيَارِ وَزِيَادَةٌ فِي الْأَعْمَارِ» .
(وَالْعُلَمَاءُ) فِي الْوَصِيَّةِ هُمْ (أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ) .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمَا سِوَاهَا فِي الدِّينِ حُطَامٌ فَانٍ، وَبَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ) عِلْمِ (التَّفْسِيرِ) وَهُوَ لُغَةً بَيَانُ مَعْنَى اللَّفْظِ الْغَرِيبِ. وَشَرْعًا مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، وَهَذَا بَلَا سَاحِلٍ لَهُ، وَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَمَا يُدْرَكُ مِنْ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ بِوَاسِطَةِ عُلُومٍ أُخَرَ كَاللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْعِ وَوَرَاءَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَهْمٌ يُؤْتِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمَنْ عَرَفَ التَّفْسِيرَ دُونَ أَحْكَامِهِ لَا يُصْرَفُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (حَدِيثٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهِ وَرِجَالِهِ وَطُرُقِهِ وَصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَعَلِيلِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، فَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ عُلَمَائِهِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّمَاعِ الْمُجَرَّدِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (فِقْهٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا أَيْ: عَرَفَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ دُونَ مَنْ عَرَفَ طَرَفًا مِنْهُ كَمَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَوْ الْفَرَائِضِ وَإِنْ سَمَّاهَا الشَّارِعُ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِنْبَاطِ الظَّاهِرِيَّةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ لِلْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ. وَقَالَ شَارِحُ التَّعْجِيزِ: أَوْلَى النَّاسِ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ نُورٌ يَقْذِفُ هَيْبَتَهُ فِي الْقَلْبِ أَيْ مَنْ قُذِفَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مَوْهِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ بِخِلَافِ مَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَذَلِكَ صِنَاعَةٌ وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوَقْفِ.
سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فَقِيلَ: إنَّ فُقَهَاءَنَا لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْتُمْ فَقِيهًا قَطُّ؟ الْفَقِيهُ هُوَ الْقَائِمُ لَيْلَهُ، الصَّائِمُ نَهَارَهُ، الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الَّذِي لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَفَقِهَ عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَعَلِمَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْعَالِمُ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنْ الْمَغْرُورِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُفَسِّرٍ وَمُحَدِّثٍ وَفَقِيهٍ فَاجْتَمَعَتْ فِي شَخْصٍ أُعْطِيَ بِأَحَدِهَا كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ عَنْ عُلُومِ الْعَقْلِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالْمَنْطِقِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَنْطِقِ الطَّاوُسِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْعِلْمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ مِثْلُهَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ عِلْمَ الْبَاطِنِ يَعْنِي: عِلْمَ الْقَلْبِ، وَتَطْهِيرَهُ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ فَقِيلَ: هُوَ مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ جَمَعَ أَرْبَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute