للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

ــ

[مغني المحتاج]

خِصَالٍ: التَّقْوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَالتَّوَاضُعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَالزُّهْدَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، وَالْمُجَاهَدَةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِتَصَارِيفِ الْكَلَامِ، وَمَوَارِدِ الْأَحْكَامِ، وَمَوَاقِعِ الْمَوَاعِظِ؛ لِأَنَّ الرُّسُوخَ الثُّبُوتُ فِي الشَّيْءِ، وَعَطَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَرْفُوعِ قَوْلَهُ (لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ) وَمُنَجِّمٌ وَحَاسِبٌ وَمُهَنْدِسٌ فَلَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَهُمْ مِنْهُمْ، وَكَذَا الْعَالِمُ بِاللُّغَةِ وَالصَّرْفِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَالْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي وَالْمُوسِيقَى وَنَحْوِهَا، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي.

أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الْحَدِيث، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ، وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُعَبِّرِ مُفَسِّرُ الْمَنَامِ، وَالْأَفْصَحُ عَابِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: عَبَرْتُ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ التَّشْدِيدَ وَفِي الْحَدِيث: «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ» وَالطَّبِيبُ مَنْ يُحْسِنُ عِلْمَ الطِّبِّ (وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ) لَيْسَ مِنْهُمْ (عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) لِمَا ذُكِرَ وَنَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَتِهِ عَنْ النَّصِّ، وَقِيلَ يَدْخُلُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَدِّثِ وَالْمُقْرِئِ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الدُّخُولِ كُلُّهُمْ أَوْ فِي الْخُرُوجِ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّوَقُّفِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصَحِّ إلَى قَوْلِهِ: عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَالَ: السُّبْكِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، وَلِيُمَيِّزَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، فَذَاكَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ فِي شُبَهِهِ، وَالْخَوْضُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ، وَتَضْيِيعُ الزَّمَانِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا وَدَاعِيًا إلَى ضَلَالَةٍ، فَذَاكَ بِاسْمِ الْجَهْلِ أَحَقُّ.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ فَذَاكَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ بَلْ أَكْثَرُهُ ضَلَالٌ وَفَلْسَفَةٌ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. اهـ.

وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي أَنْكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ: لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَذَا الصُّوفِيَّةُ يَنْقَسِمُونَ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَالْقُطْبِ الْقُونَوِيِّ وَالْعَفِيفِ التِّلْمِسَانِيِّ، فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ خَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ: إنَّ الشَّكَّ فِي كُفْرِ طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ كُفْرٌ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهُمْ الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ أَخْيَارٌ وَكَلَامُهُمْ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ فِي مُرَادِهِمْ وَإِنْ افْتَقَرَ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>