مَسَاوِئَهُ بِصِدْقٍ.
وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الْخِطْبَةِ
ــ
[مغني المحتاج]
ذَكَرَ قَوْلُهُ (مَسَاوِئَهُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عُيُوبُهُ (بِصِدْقٍ) لِيَحْذَرَ، بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ لَا لِلْإِيذَاءِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَارِّ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِشَارَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِشَارَةٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ خَيَالٌ، بَلْ النَّصِيحَةُ هُنَا آكَدُ وَأَحَبُّ. اهـ.
وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْأَمْوَالِ، وَمَحَلُّ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا كَقَوْلِهِ: لَا تَصْلُحُ لَكَ مُصَاهَرَتُهُ وَنَحْوِهِ كَلَا تَصْلُحُ مُعَامَلَتُهُ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ ذِكْرُ عُيُوبِهِ، قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا انْدَفَعَ بِذِكْرِ بَعْضِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَالْغِيبَةُ تُبَاحُ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ، وَذَكَرَهَا وَجَمَعَهَا غَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ حَيْثُ قَالَ:
لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ ... وَالظُّلْمُ تَحْذِيرٌ مُزِيلُ الْمُنْكَرِ
أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِذَلِكَ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُوجَدَ لِجَوَازِ ذِكْرِ غَيْرِهِ سَبَبٌ آخَرُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَتَمْتَنِعُ غِيبَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى زَلَّتِهِ تَسَاهَلُوا فِي ارْتِكَابِ الذَّنْبِ، وَغِيبَةُ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةٌ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْفِيرًا لَهُمْ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ، وَتَرْكًا لِوَفَاءِ الذِّمَّةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمَّعَ ذِمِّيًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَمُبَاحَةٌ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَ الْمُشْرِكِينَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغِيبَةَ، وَهِيَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَلَوْ فِي مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ أَذَكَرَهُ بِلَفْظٍ، أَمْ كِتَابَةٍ، أَمْ إشَارَةٍ بِيَدٍ، أَوْ رَأْسٍ، أَوْ جَفْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ، لَكِنَّهَا تُبَاحُ لِلْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْبَارِزِيّ: وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ، إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ عَنْهُ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسَتْرُ نَفْسِهِ. اهـ.
وَوُجُوبُ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعِيدٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكْفِيَهُ قَوْلُهُ أَنَا لَا أَصْلُحُ لَكُمْ، وَسُمِّيَتْ عُيُوبُ الْإِنْسَانِ مَسَاوِئَ؛ لِأَنَّهُ يَسُوءُهُ ذِكْرُهَا، وَالْمُصَنِّفُ سَهَّلَ هَمْزَةُ مَسَاوِئَ بِإِبْدَالِهَا يَاءً، وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ تَرْكَ الْهَمْزَةَ لَحْنٌ، وَمَسَاوِيَ بِوَزْنِ مَفَاعِلَ جَمْعُ مَفْعَلٍ كَمَسَاكِنَ جَمْعُ مَسْكَنٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْخَاطِبِ أَوْ نَائِبِهِ (تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ، وَهِيَ الْكَلَامُ الْمُفْتَتَحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخْتَتَمُ بِالْوَصِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» فَيَحْمَدُ اللَّهَ الْخَاطِبُ أَوْ نَائِبُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ (قَبْلَ الْخِطْبَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهِيَ الْتِمَاسُ التَّزْوِيجِ كَمَا مَرَّ،