وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْجَدِيدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ نِكَاحِهِ لَهَا إلَى مُحَلِّلٍ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِبُطْلَانِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ، فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَامْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ. أَمَّا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا وَمَنْ لَا فَلَا بِقَوْلِهِ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ) عَلَى مُوَلِّيَتِهِ (بِالنِّكَاحِ) بِعَدْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْهُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ عَلَيْهِ (إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ) وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ كَانَ مُجْبِرًا وَالزَّوْجُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا كَمَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُجْبِرٍ (فَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِنْشَاءِ إلَّا بِإِذْنِهَا.
تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ مَا إذَا اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ وَكَانَ عِنْدَ الْإِقْرَارِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا حِينَ كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالْإِنْشَاءِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَصْفُهُ بِذَلِكَ حِينَ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ) الْحُرَّةِ وَلَوْ سَفِيهَةً فَاسِقَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (بِالنِّكَاحِ) مِنْ زَوْجٍ صَدَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ غَيْرَ كُفْءٍ (عَلَى الْجَدِيدِ) وَإِنْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ إنْ عَيَّنَتْهُمَا، أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: مَا رَضِيتُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ فَثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَلِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَكَذِبِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا الْإِقْرَارَ فَتَقُولُ: زَوَّجَنِي مِنْهُ وَلِيِّي بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ وَرِضَائِي إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي إقْرَارِهَا الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَمَا هُنَا فِي إقْرَارِهَا الْمُبْتَدَإِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأَمَةِ، وَمِثْلُهَا الْعَبْدُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَطَرِيقُ حِلِّهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ إنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَعَنْ الْقَدِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ الْغَيْرِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْمُجْبِرُ لِآخَرَ فَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَوْ إقْرَارُهَا أَوْ السَّابِقُ أَوْ يَبْطُلَانِ جَمِيعًا؟ احْتِمَالَاتٌ لِلْإِمَامِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ، فَإِنْ أَقَرَّا مَعًا فَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا وَحَقِّهَا، وَلَوْ جَهِلَ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ أَوْ يَبْطُلَانِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِإِقْرَارِهَا؛ لِأَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute