للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا،

ــ

[مغني المحتاج]

تَحَقَّقْنَا وَشَكَكْنَا فِي الْمُفْسِدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنُقِلَ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَرْجِيحُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا، وَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْعَقْدِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَاسْتِدَامَتُهُ تَنْفَكُّ عَنْ الصَّدَاقِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مُشِيرَةٌ إلَى شَخْصٍ: هَذَا زَوْجِي فَسَكَتَ فَمَاتَتْ وَرِثَهَا وَلَوْ مَاتَ هُوَ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ قَالَ هُوَ: هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَتْ فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا عَلَى النَّصِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْوِلَايَةِ أَرْبَعَةٌ، السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْأُبُوَّةُ وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ فَقَالَ (وَلِلْأَبِ) وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَهِيَ (تَزْوِيجُ) ابْنَتِهِ (الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً) عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ (بِغَيْرِ إذْنِهَا) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» . وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» حُمِلَتْ عَلَى النَّدْبِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسُ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَحْتَاطُ لِمُوَلِّيَتِهِ لِخَوْفِ الْعَارِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ.

تَنْبِيهٌ: لِتَزْوِيجِ الْأَبِ بِغَيْرِ إذْنِهَا شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا مَرَّ. الثَّانِي: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِمَنْ تَتَضَرَّرُ بِمُعَاشَرَتِهِ كَأَعْمَى وَشَيْخٍ هَرِمٍ. السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَمْنَعُهَا لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلَهَا غَرَضٌ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا. قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَقَطْ؟ فِيهِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِذَاكَ، فَالْمُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفْئًا وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِ الصَّدَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْيَسَارِ مُعْتَبَرًا فِي الْكَفَاءَةِ كَمَا هُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا تُؤَثِّرُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ مُكَلَّفَةً لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَتَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفَةِ فَلَا إذْنَ لَهَا، وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>