وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا
ــ
[مغني المحتاج]
قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ جَازَ لِلضَّرُورَةِ لِأَجْلِ نَسْلِهِنَّ وَمَا حَصَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ كَمَا جَازَ لِآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزْوِيجُ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ. اهـ.
«وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِيَ هَالَةُ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ، وَهُوَ مَوْلًى لِلصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّ الْمِقْدَادَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ قُرَشِيَّةً " وَالْمِقْدَادُ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَفِيهِمَا أَيْضًا: " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ زَوَّجَ سَالِمًا مَوْلَاهُ لِابْنَةِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ".
فَإِنْ قِيلَ: مَوَالِي قُرَيْشٍ أَكْفَاءٌ لَهُمْ. أُجِيب بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْمَنْعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ.
تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ بِرِضَاهَا مَا إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً وَاسْتُؤْذِنَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّشِيدَةُ وَالسَّفِيهَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ، فَإِذَا رَضِيَتْ السَّفِيهَةُ بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا هُوَ الْمَالُ خَاصَّةً فَلَا يَظْهَرُ لِسَفَهِهَا أَثَرٌ هُنَا، وَاسْتَثْنَى شَارِحُ التَّعْجِيزِ كَفَاءَةَ الْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: ٢٢١] [الْبَقَرَةُ] وَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْ فَاحِشَةٍ أَوْ رِيبَةٍ، وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَوِينَ مِنْ زِيَادَةِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَعَ الْأَقْرَبِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ) غَيْرَ كُفْءٍ (بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ) ؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ الْآنَ فِي التَّزْوِيجِ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ وَلِيٌّ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَبْعُدْ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُسْتَوِينَ لِيَخْرُجَ الْأَبْعَدُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَبْعَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ لَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارٌ لِنَسَبِهِ فَلِمَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَنْتَشِرُ كَثِيرًا فَيَشُقُّ اعْتِبَارُ رِضَاهُمْ، وَلَا ضَابِطَ يُوقَفُ عِنْدَهُ، فَالْوَجْهُ قَصْرُهُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ (بِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكُفْءِ (بِرِضَاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute