للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ، لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ، وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالِمٍ وَقَاضٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أُمُورًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْكَافِرُ الْفَاسِقُ فِي دِينِهِ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ فِي دِينِهَا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْفَاسِقَ كُفْءٌ لِلْفَاسِقَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْفِسْقِ وَاخْتِلَافِ نَوْعِهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا فِي الْعُيُوبِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِسْقَ بِالْقَتْلِ وَالسُّكْرِ لَيْسَ فِي تَعَدِّي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّفْرَةِ كَالْعُقُوقِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ كُفْءٌ لَهَا سَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَسْتُورُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ. رَابِعُهَا: أَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَفَافَ يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ لَا فِي آبَائِهِمَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَ) خَامِسُهَا (حِرْفَةٌ) وَهِيَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي فَائِقِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ: صِنَاعَةٌ يُرْتَزَقُ مِنْهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا (فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَضَبَطَهَا الْإِمَامُ بِمَا دَلَّتْ مُلَابَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ كَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ (لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: ٧١] [النَّحْلُ] أَيْ فِي سَبَبِهِ فَبَعْضُهُمْ يَصِلُ إلَيْهِ بِعِزٍّ وَرَاحَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِذُلٍّ وَمَشَقَّةٍ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: ١١١] [الشُّعَرَاء] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا حَاكَةً وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ (فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ) وَنَحْوُهُمْ كَحَائِكٍ (لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْفَاءٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ) بِنْتَ (بَزَّازٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كُفْءٌ لِلْآخَرِ وَلَمْ أَرَ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ (وَلَا هُمَا) أَيْ التَّاجِرُ وَالْبَزَّازُ (بِنْتَ عَالِمٍ وَ) بِنْتَ (قَاضٍ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَنْ أَبُوهَا بَزَّازٌ أَوْ عَطَّارٌ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ حَجَّامٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ دَبَّاغٌ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا نَظَرْت إلَى حِرْفَةِ الْأَبِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ إلَى حِرْفَةِ الْأُمِّ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ الْمُغَنِّيَةِ أَوْ الْحَمَّامِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْئًا لِمَنْ لَيْسَتْ أُمُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْعُرْفِ وَعَارٌ. اهـ.

وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ النَّظَرِ إلَى الْأُمِّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ تُرَاعَى الْعَادَةُ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، فَإِنَّ الزِّرَاعَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ أَيْضًا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخْذُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبْرَةُ بِالْعَالِمِ الصَّالِحِ أَوْ الْمَسْتُورِ دُونَ الْفَاسِقِ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ أَهْلًا فَعَالِمٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ فِي الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَفِي النَّظَرِ إلَيْهِ نَظَرٌ. اهـ.

بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِذَا شُكَّ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ أَوْ الشَّرِيفِ وَالْأَشْرَفِ، أَوْ الدَّنِيءِ وَالْأَدْنَى، فَالْمَرْجِعُ عَادَةُ الْبَلَدِ، وَالْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ وَالْفِسْقُ فِي الْآبَاءِ. قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>