وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَعِفَّةٌ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُطَّلِبِيَّ كُفْءٌ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً.
أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلَا يُكَافِئُهَا إلَّا شَرِيفٌ، وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَنْ أَبَوَيْهِمَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ ظَهِيرَةَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ، فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ، فَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُمْ أَكْفَاءُ، وَالْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ بِالتَّفَاضُلِ فَتَفْضُلُ مُضَرُ عَلَى رَبِيعَةَ، وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَوْجَهُ؛ إذْ أَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونُوا كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَالْعَجَمِ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَمَنْ ضَبَطَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ فَكَالْعَرَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَجَمِ (وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ) الشَّرَفِ (النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ) قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، فَالْفُرْسُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ» وَبَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِسَلَفِهِمْ وَكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَا يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَلَا يُكَافِئُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ الْأَقْرَبِينَ أَقْدَمَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يَكُونُ كُفْئًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا زَلَلٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهُنَّ، وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْآبَاءِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ غَيْرِ الشَّرِيفِ أَفْضَلَ مِنْ ابْنِ الشَّرِيفِ، وَلَيْسَ كُفْئًا لَهُ (وَ) رَابِعُهَا (عِفَّةٌ) وَهِيَ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ (فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] [السَّجْدَةَ] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: ٣] [النُّورُ] الْآيَةَ، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُولَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَالثَّانِيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَالْمُبْتَدِعُ مَعَ السُّنِّيَّةِ كَالْفَاسِقِ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute