للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ،

ــ

[مغني المحتاج]

أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ مِلْكًا تَامًّا انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالسَّفَرِ إلَى الشَّرْقِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى الْغَرْبِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ بِحَقِّ النِّكَاحِ بَعَثَتْهُ فِي أَشْغَالِهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ رَفَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ تَامًّا، بِأَنْ ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ابْتَاعَتْهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِالتَّامِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ لِتَخْرُجَ هَذِهِ الصُّورَةُ.

(وَلَا) يَنْكِحُ (الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ) أَرْبَعَةٍ: ثَلَاثَةٌ فِي النَّاكِحِ، وَوَاحِدٌ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ يَعُمُّ الْحُرَّ وَغَيْرَهُ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ (أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، ثُمَّ وَصَفَ الْحُرَّةَ بِكَوْنِهَا (تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ) بِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا أَعْظَمُ مِنْ اسْتِطَاعَةِ طَوْلِهَا، وَاسْتِطَاعَةُ الطَّوْلِ وَعَدَمُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ مَانِعَانِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَعَ شَرْطِ خَوْفِ الزِّنَا مُتَّحِدَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ أَمِنَ مِنْ الْعَنَتِ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَنَتِ بِلَا وُجُودِ حُرَّةٍ مَانِعًا فَلَأَنْ يَكُونَ مَعَ وُجُودِهَا أَوْلَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَتْقَاءَ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِي خَبَرِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ

تَنْبِيهٌ: جَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَحْوَطَ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ أَصَحُّ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ، لَكِنْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ أَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَتَصْحِيحُ الْكِتَابِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ عَجِيبٌ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحَرَّرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْأَحْوَطَ إلَى تَرْجِيحِهِ، وَكَيْفَ يَقْتَصِرُ فِي كِتَابٍ الْتَزَمَ فِيهِ التَّنْصِيصَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ اهـ.

وَالْأَوْجَهُ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحُرَّةِ أَيْضًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ وَالرَّقِيقَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْكُوحَةِ لَشَمَلَهَا. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَمَةَ غَيْرِهِ أَمَةُ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْإِعْفَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مُعْسِرًا. وَأَمَّا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهَا، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ: الْعَبْدُ وَلَوْ مُبَعَّضًا، فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي (وَ) ثَانِي الشُّرُوطِ (أَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً (تَصْلُحُ) لِلِاسْتِمْتَاعِ لِفَقْدِهَا أَوْ فَقْدِ صَدَاقِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ بِنِكَاحِهِ لِقُصُورِ نَسَبِهِ وَنَحْوِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>