للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَكَذَا جَنَابَةٌ، وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

عَلِمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ فِيهِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ أَوْ بَعْدَ بَعْثَةٍ لَا تَنْسَخُهُ كَبَعْثَةِ مَنْ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِشَرَفِ نَسَبِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْيَهُودِ وَإِلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ دَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ أَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَبْلَ النَّسْخِ أَيْ وَاجْتَنَبُوا الْمُبَدَّلَ. قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْقَبُولِ.

قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالتَّشَوُّفِ إلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ لَهَا قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْيَوْمَ اهـ.

وَاعْتَمَدَ الْفَرْقَ الْأَذْرَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُ الذِّمِّيَّاتِ فِي وَقْتِنَا مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَيَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ مَا يُوَافِقُ دَعْوَاهُمْ، أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّة غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِسُقُوطِ فَضِيلَةِ النَّسَبِ بِالنَّسْخِ، وَأَمَّا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَلْ نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى أَوْ خَصَّصَتْهَا، وَالنَّاسِخُ شَرِيعَتُنَا، وَفِيهِ خِلَافٌ، قِيلَ: خَصَّصَتْهَا؛ لِأَنَّ عِيسَى مُقَرِّرٌ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ نَسَخَتْ الَّتِي قَبْلَهَا كَشَرِيعَةِ عِيسَى نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى، وَشَرِيعَتِنَا نَسَخَتْ سَائِرَ الشَّرَائِعِ اهـ.

وَحُكْمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيمَنْ ذُكِرَ حُكْمُ النِّكَاحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي وَطْءِ السَّبَايَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا عَسُرَ فِيمَا يَظْهَرُ.

(وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ) وَغَيْرِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ التَّوَارُثِ كَمَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْقَذْفِ، فَإِنَّ فِي قَذْفِهَا التَّعْزِيرَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُ دَفْعُهَا بِاللِّعَانِ، وَفِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا (وَتُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَذَا الْأَمَةُ (عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) أَيْ لِلْحَلِيلِ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ لِتَوَقُّفِ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ لَا أَصْلُهُ عَلَى عَقِيدَتِهِ فَهُوَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَسْتَبِيحُ بِهَذَا الْغُسْلِ الْوَطْءَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَضَّأْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَكَذَا جَنَابَةٌ) أَيْ تُجْبَرُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ (وَ) عَلَى (تَرْكِ أَكْلِ) لَحْمِ (خِنْزِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ كَمَالُ التَّمَتُّعِ عَلَى زَوَالِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: لَا إجْبَارَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالذِّمِّيَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَطْعًا وَهُوَ مَا جَارَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيَّ وَقَيَّدَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بِمَا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي بَالِغَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>