أَوْ يَقُولَ انْكِحْ وَأُعْطِيَكَ الْمَهْرَ، أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ وَيُمْهِرَ أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً أَوْ ثَمَنَهَا ثُمَّ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا.
وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي وَلَا رَفِيعَةٍ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
كِتَابِيَّةً (أَوْ يَقُولَ) لَهُ (انْكِحْ وَ) أَنَا (أُعْطِيَكَ الْمَهْرَ) أَيْ مَهْرَ مِثْلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَحَ الْأَبُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ كَانَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ (أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ) حُرَّةً (وَيُمْهِرَ) هَا (أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً) تَحِلُّ لَهُ (أَوْ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ غَرَضَ الْإِعْفَافِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَلِلِابْنِ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ أَوْ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ مَعِيبَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُعِفُّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا فَاسِدًا لَا يَنْسَاغُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ فَرْعِهِ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْفَرْعُ إلَّا عَلَى مَهْرِ أَمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفُ. أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ لَا يَبْذُلَ إلَّا أَقَلَّ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَيْسَرَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَنْ مَلَّكَهُ فَرْعُهُ الْجَارِيَةَ أَوْ ثَمَنَهَا أَوْ الْمَهْرَ لَمْ يَسْتَرِدَّ الْفَرْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَنَفَقَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى أَيْسَرَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: إنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهُ مَنْ لَزِمَتْهُ (ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَلَدِ (مُؤْنَتُهُمَا) بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ بِخَطِّهِ أَيْ الْأَبِ، وَمَنْ أَعَفَّهُ بِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُؤْنَتُهَا أَيْ مُؤْنَةُ الَّتِي أَعَفَّهُ بِهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَبِ تُؤْخَذُ مِنْ بَابِهَا أَيْ وَأَمَّا مُؤْنَتُهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْإِعْفَافِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْفَافِ الْأَبِ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ لِإِمْكَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَصْلِ لَازِمَةٌ لِلْفَرْعِ وَإِنْ لَمْ يُعِفَّهُ اهـ.
وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ إفْرَادَ الضَّمِيرِ لَكِنْ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَثْنِيَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَاسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ أُدْمَهَا وَنَفَقَةَ الْخَادِمِ قَالَ: لِأَنَّ فَقْدَهُمَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقِيَاسُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ بِمَا لَزِمَ الْأَبَ وُجُوبُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ الْأَبَ مَعَ إعْسَارِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَصْلِ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَعَجُوزٍ وَصَغِيرَةٍ لَزِمَ الْفَرْعَ إعْفَافُهُ، فَلَوْ أَعَفَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا نَفَقَتَانِ، وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ النَّفَقَةِ: لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلْجَدِيدَةِ لِئَلَّا تَفْسَخَ بِنَقْصِ مَا يَخُصُّهَا عَنْ الْمُدِّ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ.
(وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي) وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَا) تَعْيِينُ نِكَاحِ (رَفِيعَةٍ) بِجَمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ كَشَرَفٍ لِلنِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ، بَلْ التَّعْيِينُ فِي ذَلِكَ لِلْوَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُجْحِفُ بِالْوَلَدِ وَالْغَرَضُ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ أَنْ يُطْعِمَهُ الْأَطْعِمَةَ الْفَاخِرَةَ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الْأَبُ وَالْوَلَدُ (عَلَى مَهْرٍ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ (فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute