وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا مَاتَتْ أَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ أَوْ فَسَخَهُ بِعَيْبٍ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ بِعُذْرٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ إعْفَافُ فَاقِدِ مَهْرٍ مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ
ــ
[مغني المحتاج]
إعْفَافِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَلَدِ.
(وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ) لِلْإِعْفَافِ (إذَا مَاتَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْأَمَةُ (أَوْ انْفَسَخَ) النِّكَاحُ (بِرِدَّةٍ) أَيْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمَوْتِ أَمَّا الْفَسْخُ بِرِدَّتِهِ فَهُوَ كَطَلَاقِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَكَرِدَّتِهِ رِدَّتُهُمَا مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ فَسَخَهُ) أَيْ الزَّوْجُ النِّكَاحَ (بِعَيْبٍ) فِي الزَّوْجَةِ لِمَا مَرَّ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ فَسْخُهَا بِعَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ فُسِخَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَعُمَّ فَسْخَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَالرِّدَّةِ الْفَسْخُ بِرَضَاعٍ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الَّتِي أُعِفَّ بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ (وَكَذَا إنْ طَلَّقَ) أَوْ أَعْتَقَ (بِعُذْرٍ) كَشِقَاقٍ أَوْ رِيبَةٍ يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْمَوْتِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ قَصَدَ قَطْعَ النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ فَإِنَّهُ الْمُفَوِّتُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعْتِقُ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَاسْتِبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ بِأُمِّ الْوَلَدِ. أَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي إعْتَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقَ، وَحَيْثُ وَجَبَ التَّجْدِيدُ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّجْدِيدُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مِطْلَاقًا، فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا لَمْ يَجِبْ لَهُ التَّجْدِيدُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ إتْلَافُ النَّفَقَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ تَعْرِيفُهُ، بَلْ يُسَرِّيهِ جَارِيَةً، وَيَسْأَلُ الْقَاضِيَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي الْإِعْتَاقِ قَالَهُ الْقَمُولِيُّ.
(وَإِنَّمَا يَجِبُ) عَلَى الْوَلَدِ (إعْفَافُ) الْأَصْلِ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَاقِدِ مَهْرٍ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِالْكَسْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إعْفَافُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْكَبِيرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّفَقَةِ: أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِيهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَمَا هُنَا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ عَلَى الْأَصْلِ الْكَسْبُ لَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ أَوْ ثَمَنِ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ الْبِنْيَةَ لَا تَقُومُ بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا لَمْ يَجِبْ إعْفَافُهُ، وَلَوْ نَكَحَ فِي يَسَارِهِ بِمَهْرٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ دَفْعُهُ لِحُصُولِ الْإِعْفَافِ بِذَلِكَ، وَالصَّرْفُ لِلْمَوْجُودَةِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَعَلَيْهِ لَوْ نَكَحَ فِي إعْسَارِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ وَلَدَهُ بِالْإِعْفَافِ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ وَلَدَهُ الْقِيَامُ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَتْ الْإِعْسَارَ وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ اهـ.
وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِ مَنْ يَلِيقُ بِهِ. الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ زِنًا أَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَصَغِيرَةٍ وَعَجُوزٍ شَوْهَاءَ، وَيَحْرُمُ طَلَبُ مَنْ لَمْ تُصَدَّقْ شَهْوَتُهُ بِأَنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ التَّعَزُّبُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ احْتَاجَ لِلنِّكَاحِ لَا لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْخِدْمَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَجَبَ إعْفَافُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute