للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ سُنَّةٌ.

وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ،

ــ

[مغني المحتاج]

لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ (وَقِيلَ) الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ (كِفَايَةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ النِّكَاحِ وَالتَّمْيِيزُ عَنْ السِّفَاحِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحُصُولِ الْبَعْضِ (وَقِيلَ: سُنَّةٌ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ فَلَمْ يَجِبْ كَغَيْرِهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَجِبُ قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَابَعَاهُ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ إلَيْهَا عَدَمُ الْإِجَابَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَائِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: يَطَّرِدُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، فَفِي مُسْلِمٍ: «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» وَفِي أَبِي دَاوُد: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» وَقَضِيَّتُهُمَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ، وَبِهِ أَجَابَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

(وَإِنَّمَا تَجِبُ) الْإِجَابَةُ (أَوْ تُسَنُّ) كَمَا مَرَّ (بِشَرْطِ) أَيْ بِشُرُوطٍ مِنْهَا (أَنْ لَا يَخُصَّ) بِالدَّعْوَةِ (الْأَغْنِيَاءَ) لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: " شَرُّ الطَّعَامِ " بَلْ يَعُمُّ عَشِيرَتَهُ، أَوْ جِيرَانَهُ، أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ النَّاسِ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ لَوْ كَثُرَتْ عَشِيرَتُهُ أَوْ نَحْوُهَا، أَوْ خَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهَا، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عُمُومِ الدَّعْوَةِ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَوْ لِغَيْرِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ لَوْ خَصَّصَ بِذَلِكَ الْفُقَرَاءَ كَانَ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ طَعَامُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ وَفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ كَاسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ إجَابَتُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَ) مِنْهَا (أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَجِبْ) إجَابَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي) قَطْعًا بَلْ تُسَنُّ فِيهِ (وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ) وَفِيمَا بَعْدَهُ، فَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَفِي الثَّالِثِ - أَيْ وَفِيمَا بَعْدَهُ - رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» نَعَمْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابُ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ صِغَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>