وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ وَوُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حُلَبِ وَإِيجَارٍ وَازْدِرَادٍ أَوْ قَرَائِنَ كَالْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَبُونٌ
ــ
[مغني المحتاج]
مُتَّهَمَةٌ، وَالثَّانِي: لَا تُقْبَلُ لِذِكْرِهَا فِعْلَ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَغَيْرُهَا قَبْلُ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَتُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا شَهَادَةُ أُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا مَعَ غَيْرِهَا حِسْبَةً بِلَا تَقَدُّمِ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَبُوهَا وَابْنُهَا أَوْ ابْنَاهَا بِطَلَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا حِسْبَةً، أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الرَّضَاعَ وَشَهِدَ بِذَلِكَ أُمُّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُهَا أَوْ ابْنَاهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَوْ هِيَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَهَادَةٌ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَنَّ الزَّوْجَ ارْتَضَعَ مِنْ أُمِّهَا أَوْ نَحْوِهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي) فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْضَاعِ أَنْ يُقَالَ (بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ) لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمِ (بَلْ يَجِبُ) مَعَ ذَلِكَ (ذِكْرُ وَقْتٍ) وَقَعَ فِيهِ الْإِرْضَاعُ وَهُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِي الرَّضِيعِ وَبَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فِي الْمُرْضِعَةِ (وَ) ذِكْرُ (عَدَدٍ) وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: مُتَفَرِّقَاتٍ، لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَجْهَلُ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ، أَوْ قَطْعَ الرَّضِيعِ لِلَهْوٍ وَتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِمَا وَعَوْدَهُ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) كَذَا يَجِبُ ذِكْرُ (وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ) فِي الْأَصَحِّ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ كَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْإِيلَاجِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَاهَدُ
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ (بِمُشَاهَدَةِ) أَيْ مُعَايَنَةِ (حَلْبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بِخَطِّهِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَرَأَيْته أَيْضًا وَهُوَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِسُكُونِ اللَّامِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، وَقَيَّدَ فِي الْأُمِّ الْمُشَاهَدَةَ بِغَيْرِ حَائِلٍ، فَإِنْ رَآهُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ لَمْ يَكْفِ (وَإِيجَارٍ) لِلَّبَنِ فِي فَمِ الرَّضِيعِ (وَازْدِرَادٍ) مَعَ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ (أَوْ قَرَائِنَ) دَالَّةٍ عَلَى وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ (كَالْتِقَامِ) أَيْ كَمُشَاهَدَةِ الْتِقَامِ (ثَدْيٍ) بِلَا حَائِلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ (وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ) أَيْ الرَّضِيعِ (بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ) لِلَّبَنِ الَّذِي مَصَّهُ (بَعْدَ عِلْمِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُرْضِعَةَ (لَبُونٌ) أَيْ ذَاتُ لَبَنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْقَرَائِنِ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَبِتَقْدِيرِهِ أَنْ لَا تُفِيدَهُ فَتُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ، وَذَلِكَ تَسَلُّطٌ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللَّبَنِ، وَلَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الْقَرَائِنِ بَلْ يَعْتَمِدُهَا وَيَجْزِمُ بِالشَّهَادَةِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا حَالَةَ الْإِرْضَاعِ أَوْ قَبْلَهُ لَبَنًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَبُونٌ وَلَا يَكُونُ فِي ثَدْيِهَا حِينَئِذٍ لَبَنٌ كَأَنْ حَلَبَتْهُ أَوْ أَرْضَعَتْ غَيْرَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute