للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَذَانُ مَثْنَى.

وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا

وَتَرْتِيلُهُ.

وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بَيْنَهُمَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ اسْتِمَاعُهُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جُوِّزَ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الْأَجْنَبِيُّ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ.

وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهَا كَالْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ.

(وَالْأَذَانُ) مُعْظَمُهُ (مَثْنَى) هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي آخِرِهِ مَرَّةٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي إفْرَادِهَا الْإِشَارَةُ إلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلِمَاتُهُ مَشْهُورَةٌ، وَعِدَّتُهَا بِالتَّرْجِيعِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً.

(وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ) .

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ» مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ.

وَاسْتِثْنَاءُ لَفْظِ الْإِقَامَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَاعْتَذَرَ فِي الدَّقَائِقِ عَنْ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ التَّكْبِيرَ فَإِنَّهُ يُثَنِّي فِي أَوَّلِهَا وَآخِرَهَا بِأَنَّهُ عَلَى نِصْفِ لَفْظِهِ فِي الْأَذَانِ فَكَأَنَّهُ فَرْدٌ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّكْبِيرِ أَوَّلَهَا.

وَأَمَّا فِي آخِرِهَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْأَذَانِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَمُعْظَمُهَا فُرَادَى، وَالْحِكْمَةُ فِي تَثْنِيَةِ لَفْظِ الْإِقَامَةِ كَوْنُهَا الْمُصَرِّحَةَ بِالْمَقْصُودِ، وَكَلِمَاتُ الْإِقَامَةِ مَشْهُورَةٌ وَعِدَّتُهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً (وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا) أَيْ الْإِسْرَاعُ بِهَا مَعَ بَيَانِ حُرُوفِهَا، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةِ الْأَخِيرَةِ بِصَوْتٍ.

(وَتَرْتِيلُهُ) أَيْ الْأَذَانِ أَيْ التَّأَنِّي فِيهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ وَيُفْرِدُ بَاقِي كَلِمَاتِهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْغَائِبِينَ فَكَانَ التَّرْتِيلُ فِيهِ أَبْلَغَ، وَالْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَكَانَ الْإِدْرَاجُ فِيهَا أَنْسَبَ.

قَالَ الْهَرَوِيُّ: عَوَامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا وَصَلَ، وَكَانَ الْمُبَرِّدُ يَفْتَحُ الرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ الْأُولَى وَيُسَكِّنُ الثَّانِيَةَ.

قَالَ الْمُبَرِّدُ: لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فَكَانَ الْأَصْلُ إسْكَانَهَا، لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ قَبْلَ فَتْحَةِ هَمْزَةِ اللَّهِ الثَّانِيَةِ فُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الم} [آل عمران: ١] {اللَّهُ} [آل عمران: ٢] [الْ عِمْرَانَ] وَجَرَى عَلَى كَلَامِ الْمُبَرِّدِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُبَرِّدُ مَمْنُوعٌ: إذْ الْوَقْفُ لَيْسَ عَلَى أَكْبَرَ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ مِيمِ " الم " كَمَا لَا يَخْفَى.

(وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ) أَيْ الْأَذَانِ لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ وَدَقَائِقِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَحْقِيقِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ لِلثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهِمَا.

وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ بِهِمَا أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ: أَيْ أَوْ نَحْوَهُ إنْ كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِمْ، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخُطَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْرَارِ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْجَهْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَإِسْرَارِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيعُ هُوَ السِّرَّ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ الثَّانِي أَوْ هُمَا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السِّرَّ هُنَا هُوَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ بِقُرْبِهِ فَيَكْفِي.

أُجِيبَ بِأَنَّ إسْمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُصَلِّي، وَالْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرِ خَفَائِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظُهُورِهِمَا وَفِي ذَلِكَ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>