قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنٍ النِّكَاحِ، وَقِيلَ تَجِبُ الْكِفَايَةُ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ، فَإِذَا ظَهَرَ وَجَبَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَقِيلَ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا تَسْقُطُ
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ مَا دَامَ الزَّوْجُ حَيًّا، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا السُّقُوطُ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَدَمُ السُّقُوطِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ هُنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْمَوْتِ، وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهَا بِسَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْحَاضِنَةِ لِلْوَلَدِ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَاضِنَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
تَنْبِيهٌ: تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ الْحَمْلِ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّضَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ يُنَافِي إطْلَاقَهُمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَرْضٍ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ.
(وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ) أَيْ كَنَفَقَةِ زَمَنِ (النِّكَاحِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهِ (وَقِيلَ) لَا تُقَدَّرُ بَلْ (تَجِبُ الْكِفَايَةُ) فَتُزَادُ وَتَنْقُصُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (دَفْعُهَا) لِلْحَامِلِ (قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ) سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهَا لَهَا أَمْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (فَإِذَا ظَهَرَ) حَمْلُهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لَهَا (وَجَبَ) دَفْعُ النَّفَقَةِ لَهَا (يَوْمًا بِيَوْمٍ) أَيْ كُلَّ يَوْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ (وَقِيلَ) لَا يَجِبُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ بَلْ (حَتَّى تَضَعَ) فَتُدْفَعَ لَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ السَّبَبُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ أَمْ لَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْلَمُ، وَعَلَيْهِ لَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَتَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَيَثْبُتُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ، وَلَهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا عَرَفْنَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْفَقَ يَظُنُّ الْحَمْلَ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا، وَمَرَّ مِثْلُهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ (وَلَا تَسْقُطُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute