وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ، وَالثَّالِثُ لِأَصْلٍ، لَا فَرْعٍ. قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهِيَ الْكِفَايَةُ.
وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
بَيْنَ نَفَقَتَيْنِ (وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا) وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْعَاجِزَ بِمَرَضٍ أَوْ عَمًى، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (أَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) لِعَجْزِهِ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ، وَلِلْوَلِيِّ حَمْلُ الصَّغِيرِ عَلَى الِاكْتِسَابِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَوْ هَرَبَ أَوْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَرَامٍ كَالْكَسْبِ بِآلَةِ الْمَلَاهِي فَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَكَذَا الْكَسْبُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرَهُ (فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ) مُطْلَقًا لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبُحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُكَلِّفَ قَرِيبَهُ الْكَسْبَ مَعَ اتِّسَاعِ مَالِهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ عَنْ غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ (لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِتَأْكِيدِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ (قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ) لِمَا ذُكِرَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحَيْنِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَأْمُورٌ بِمُعَاشَرَةِ أَصْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ، وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ، وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ.
(وَهِيَ) أَيْ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ (الْكِفَايَةُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ، وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجِبُ إشْبَاعُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّبَعِ، وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ كَمَا يَجِبُ لَهُ الْقُوتُ، وَيَجِبُ لَهُ مُؤْنَةُ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ مَعَ كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ أَدْوِيَةٍ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ سُلِّمَتْ النَّفَقَةُ إلَى الْقَرِيبِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ إبْدَالُهَا، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ فِي إبْدَالِهَا إجْحَافٌ بِالدَّافِعِ خُصُوصًا مَعَ تَكْرَارِ الْإِتْلَافِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّافِعَ مُقَصِّرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لَكِنْ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ فِيهِ الضَّمَانُ إذَا أَيْسَرَ كَمَا قَالَاهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ فِي الرَّشِيدِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الدَّافِعِ بَلْ سَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ شَيْئًا، وَالنَّفَقَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا إمْتَاعٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا) بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنْ تَعَدَّى الْمُنْفِقُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا تَصِيرُ دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ (إلَّا بِفَرْضِ) بِالْفَاءِ بِخَطِّهِ (قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ) بِالْقَافِ (لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَأَكُّدِ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الطَّرِيقَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute