وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ.
ثُمَّ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَحُكَّامُ الْعَصْرِ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ ظَانِّينَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا وَتَحْرِيرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ، وَمُحَاوَلَةُ إثْبَاتِ خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ فِيهِ تَكَلُّفٌ مَحْضٌ اهـ.
فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِافْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ، أَيْ: قَدَّرَهَا، وَأَذِنَ الْإِنْسَانَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الطِّفْلِ مَثَلًا مَا قَدَّرَهُ فِي غَيْبَةِ الْقَرِيبِ أَوْ مَنَعَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى قَرِيبِهِ، فَإِذَا أَنْفَقَ صَارَ فِي ذِمَّةِ الْقَرِيبِ، قَالَ: وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْرَاضِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الِاسْتِقْرَاضُ بَعْدَ إذْنِ الْقَاضِي وَمَضَى زَمَنٌ لَمْ يُسْتَقْرَضْ فِيهِ، أَيْ: لَمْ يَجِبْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَذِنَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ فَاسْتَقْرَضَ اهـ.
وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا فَيُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَرِيبِ إنَّمَا هُوَ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا الْوَفَاءُ نَفَقَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَبَ لَوْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ عَنْهُ وَأَشْهَدَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا اسْتَقْرَضَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَنَفَقَةُ ١٤ الْحَامِلِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا الْتَحَقَتْ بِنَفَقَتِهَا، وَلِلْقَرِيبِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ إنْ وَجَدَ جِنْسَهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ الِاسْتِقْرَاضُ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَعَجَزَ الْقَاضِي، وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ كَجَدِّ الطِّفْلِ الْمُحْتَاجِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ مَثَلًا، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ " النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَلَهُمَا إيجَارُهُ لَهَا لِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا فَيُؤَدِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِنَفَقَتِهِ.
(وَعَلَيْهَا) أَيْ الْأُمِّ (إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ: اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا، وَغَيْرِهَا وَلَا يُغْنِي كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى وَتَشْتَدُّ بِنْيَتُهُ إلَّا بِهِ. قَالَ: وَإِلَّا فَنُشَاهِدُ مَنْ يَعِيشُ بِلَا لِبَإٍ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّبَرُّعُ بِإِرْضَاعِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بَدَلَ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ إلَّا بِالْبَدَلِ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يُتَعَرَّضُوا لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ بِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: مُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْقِيَ اللِّبَأَ حَتَّى يُرْوَى وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعُ إلَى الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا تَكْفِيهِ مَرَّةٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ كَفَتْ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِهِمْ.
(ثُمَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إرْضَاعِ اللِّبَإِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ) أَيْ الْأُمُّ (أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ) عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا (إرْضَاعُهُ) إبْقَاءً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute