وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ أَنْفَقَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَى فَبِالْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ، وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ، أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ،
ــ
[مغني المحتاج]
{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَالثَّانِي: تُجَابُ الْأُمُّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اسْتَمْرَأَ الْوَلَدُ لَبَنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِلَّا أُجِيبَتْ الْأُمُّ إلَى إرْضَاعِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْعُدُولِ عَنْهَا مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّضِيعِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ ادَّعَى الْأَبُ وُجُودَ مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ رَاضِيَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَنْكَرَتْ الْأُمُّ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ أُجْرَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ مِنْ جَانِبِ الْمُنْفِقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُحْتَاجِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ) فِي قُرْبٍ وَإِرْثٍ أَوْ عَدَمِهِمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ (أَنْفَقَا) عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي قَدْرِ الْيَسَارِ أَوْ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ وَالْآخَرُ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ إيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ أَهْلًا لِذَلِكَ مُؤْتَمَنًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا اقْتَرَضَ مِنْهُ الْحَاكِمُ وَأَمَرَ عَدْلًا بِالصَّرْفِ إلَى الْمُحْتَاجِ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي الْقُرْبِ (فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ (فَإِنْ اسْتَوَى) قُرْبُهُمَا (فَبِالْإِرْثِ) تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّتِهِ كَابْنٍ وَابْنِ بِنْتٍ فَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا أَثَرَ لِلْإِرْثِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا أَنْ تَعْتَبِرَ أَوَّلًا (بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ) بَعْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْوَارِثُ الْبَعِيدُ عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا.
تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ قَدْ تُسَمَّى وُجُوهًا صَحَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا بِالْأَصَحِّ (وَالْوَارِثَانِ) عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْإِرْثِ دُونَ غَيْرِهِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ هَلْ (يَسْتَوِيَانِ) فِي قَدْرِ الْإِنْفَاقِ (أَمْ يُوَزَّعُ) الْإِنْفَاقُ بَيْنَهُمَا (بِحَسَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (وَجْهَانِ) وَجْهُ التَّوْزِيعِ إشْعَارُ زِيَادَةِ الْإِرْثِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقُرْبِ، وَوَجْهُ الِاسْتِوَاءِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْإِرْثِ، وَرَجَّحَ هَذَا الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ لَهُ أَبَوَانِ، وَقُلْنَا: نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي الْمِنْهَاجِ بِلَا تَرْجِيحٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ (وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ) هُوَ مِنْ تَثْنِيَةِ التَّغْلِيبِ: أَيْ أَبٌ وَأُمٌّ (فَعَلَى الْأَبِ) نَفَقَتُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
أَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute