للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ غَالِبًا: جَارِحٌ أَوْ مُثَقَّلٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَيَّدَ الْفِعْلَ بِالْإِزْهَاقِ مَعَ أَنَّ الْجُرْحَ وَالْأَطْرَافَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْبِيرَ بِالْأَفْعَالِ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأُ الْخَبَرَ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْجِنْسَ: وَشِبْهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا، وَيُقَالُ أَيْضًا شَبِيهٌ كَمِثْلٍ وَمَثَلٍ وَمَثِيلٍ. فَائِدَةٌ: يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ، فَالْأَوَّلُ: قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ. وَالثَّانِي: قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالثَّالِثُ: قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ. وَالرَّابِعُ: قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا. وَالْخَامِسُ: قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ.

(وَلَا قِصَاصَ) فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا فِي الْعَمْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: ٩٢] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ.

تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ بِخِلَافِ غَيْرِ الظُّلْمِ، وَبِخِلَافِ الظُّلْمِ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْإِتْلَافِ، كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْقِصَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُمَاثَلَةُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، أَوْ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ وَهُوَ تَتَبُّعُهُ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ جِنَايَةَ الْجَانِي لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا (وَهُوَ) أَيْ الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ (قَصْدُ الْفِعْلِ) الْعُدْوَانِ (وَ) عَيْنُ (الشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ) قَطْعًا أَوْ (غَالِبًا) قَوْلُهُ (جَارِحٍ أَوْ مُثَقَّلٍ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ أَسْقَطَهُمَا كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ذَلِكَ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ لَعَلَّهُ قَصَدَ بِالتَّصْرِيحِ بِهِمَا التَّنْبِيهَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي الْمُثْقِلِ كَالْحَجَرِ وَالدَّبُوسِ الثَّقِيلَيْنِ، وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] وَهُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ وَقَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ يَهُودِيٌّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَضِّ رَأْسِهِ بِالْحِجَارَةِ» فَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>