إنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ، أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ فَخَطَأٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْعَمُودِ الْحَدِيدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ فِي الْقِصَاصِ بِغَيْرِهِ فِي الْمُثَقَّلِ كَمَا مَرَّ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَمُودِ الْحَدِيدِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ النُّفُوسِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْمُثَقَّلِ لَمَا حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ أَرَادَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا الْآلَةَ وَرَدَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي مَقْتَلٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مَعَ الْوَرَمِ وَالْأَلَمِ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ وَالْآلَةُ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ أَرَادَ الْفِعْلَ وَرَدَ إذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً فَبَانَ فَسَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ وَالْفِعْلُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْآلَةُ، وَلَا يَرِدُ غَرْزُ الْإِبْرَةِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهَا بَعْدُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الضَّابِطِ أَوْ أَنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ الَّذِي غُرِزَتْ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَصْدِ تَعْيِينِ الشَّخْصِ فِي الْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ هُنَا وَلِمَا سَيَأْتِي فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، فَلَوْ قَصَدَ إصَابَةَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ فَأَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مَا رَجَّحَهُ قَبْلَ الدِّيَاتِ مِنْ زَوَائِدِهِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَنْ رَمَى شَخْصًا أَوْ جَمْعًا وَقَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَصَابَ وَاحِدًا، لِأَنَّ أَيَّ لِلْعُمُومِ فَكَأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ عَمْدًا، فَمَا فِي الزَّوَائِدِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعَ قَصْدِ الشَّخْصِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ إنْسَانٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ رَمَى شَخْصًا اعْتَقَدَهُ نَخْلَةً فَكَانَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِجِهَةِ حُكْمٍ، ثُمَّ بَانَ الْخَلَلُ فِي مُسْتَنِدِهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْحَاكِمُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ بَانَا بَعْدَ الْقَتْلِ رَقِيقَيْنِ، إذْ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً، وَمَا إذَا رُمِيَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ إذْ هُوَ خَطَأٌ، وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْجَانِي أَوْ عَزَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ، وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ عَلَى الْوَكِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَوَارِضَ، (إنْ فُقِدَ قَصْدُ) هُمَا أَوْ فُقِدَ قَصْدُ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ (بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ) ، هَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: مِثَالٌ لِلْأُولَى، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَزِيدَهَا، وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ (أَوْ رَمَى شَجَرَةً) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَدَابَّةٍ (فَأَصَابَهُ) فَمَاتَ أَوْ رَمَى آدَمِيًّا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ (فَخَطَأٌ) لِعَدَمِ قَصْدِ عَيْنِ الشَّخْصِ.
تَنْبِيهٌ: نُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْوِيرِ قَصْدِ الشَّخْصِ دُونَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ. قِيلَ: وَيُمْكِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute