للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا.

فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ فَعَمْدٌ وَكَذَا بِغَيْرِهِ إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا قَصَدَ ضَرْبَهُ بِصُفْحِ السَّيْفِ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ، فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ بِالْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ قَصَدَ الشَّخْصَ وَبِمَا لَوْ تَوَعَّدَهُ إمَامٌ ظَالِمٌ وَهَدَّدَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَذَا قَصْدُ الشَّخْصِ بِالْكَلَامِ، وَلَمْ يَقْصِدْ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِهِ لِعَدَمِ صُدُورِهِ إذْ ذَاكَ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي الْمِثَالِ أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى شَخْصٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ عَلَى مُقْتَضَى تَقْسِيمِ الْمُصَنِّفِ الْفِعْلَ الْمُزْهِقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شَرَّاحِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يُعْطِي حُكْمَ الْخَطَإِ وَلَيْسَ بِخَطَإٍ، أَوْ أَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّخْصِ الْوَاقِعِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْفِعْلُ الْمُقْسَمُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ: الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ إنْ وُجِدَ وَالشَّخْصُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ بِأَنْ صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ أَوْ غَيْرُ قَاصِدٍ لِمَنْ أَصَابَهُ كَمَا إذَا رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهَذَا خَطَأٌ، فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَطَإِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: أَنْ لَا يَقْصِدَ أَصْلَ الْفِعْلِ أَوْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ، (وَإِنْ قَصَدَهُمَا) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ (بِمَا) أَيْ شَيْءٍ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ (لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) عُدْوَانًا فَمَاتَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي الْقَصْدِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا خَطَأَ عَمْدٍ وَعَمْدَ خَطَإٍ وَخَطَأَ شِبْهِ عَمْدٍ (وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصَا) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَا خَفِيفَيْنِ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الضَّرْبُ فِي مَقْتَلٍ أَوْ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ مُعِينٌ عَلَى الْهَلَاكِ، وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ الْأَلَمُ وَيَبْقَى إلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَمِثْلُ الْعَصَا الْمَذْكُورَةِ الْحَجَرُ الْخَفِيفُ وَكَفٌّ مَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ لِمَنْ يَحْمِلُ الضَّرْبَ بِذَلِكَ وَاحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ التَّعْزِيرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ خَطَأٌ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْتُلْ بِقَوْلِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ مَعَ وُجُودِ قَصْدِ الشَّخْصِ وَالْفِعْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا.

(فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ: وَاحِدُ الْمَقَاتِلِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي إذَا أُصِيبَتْ قَتَلَتْ كَعَيْنٍ وَدِمَاغٍ وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَخَاصِرَةٍ وَأَخْدَعَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عِرْقُ الْعُنُقِ وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ، وَمَثَانَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ: مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَعِجَانٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضْرَطَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمَاتَ بِهِ وَلَوْ بِلَا تَوَرُّمٍ (فَعَمْدٌ) ذَلِكَ الْغَرْزُ لِخَطَرِ الْمَوَاضِعِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ (وَكَذَا) لَوْ غَرَزَ إبْرَةً (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمَقْتَلِ كَفَخِذٍ وَإِلَيْهِ (إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ) أَيْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَاسْتَمَرَّا (حَتَّى مَاتَ) فَعَمْدٌ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْأَلَمِ بِلَا وَرَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا الْوَرَمُ بِلَا أَلَمٍ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>