وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ، وَلَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا فَعَلَى الْأَقْوَالِ.
ــ
[مغني المحتاج]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهُوَ السَّبَبُ الْعُرْفِيُّ فَقَالَ (وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ) يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ نَاوَلَهُ (صَبِيًّا) غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ (أَوْ مَجْنُونًا) فَأَكَلَهُ (فَمَاتَ) مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَا، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ أَمْرِهِ. وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ فَكَالْبَالِغِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (أَوْ) ضَيَّفَ بِهِ (بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ) الضَّيْفُ (حَالَ الطَّعَامِ) (فَدِيَةٌ) وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ (وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ) وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِقَتْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ بِخَيْبَرَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَدِّمْ الشَّاةَ إلَى الْأَضْيَافِ، بَلْ بَعَثَتْهَا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَضَافَ أَصْحَابَهُ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا عَنْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ أَمَرَ بِقَتْلِهَا (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ الضَّيْفُ حَالَ الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَيِّفِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ (وَلَوْ دَسَّ سُمًّا) بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَهُوَ شَيْءٌ يُضَادُّ الْقُوَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ (فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا) بِالْحَالِ فَمَاتَ (فَعَلَى الْأَقْوَالِ) فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
وَجْهُ الثَّانِي التَّسَبُّبُ، وَالْأَوَّلُ قَالَ يَكْفِي فِيهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ يَجِبُ لَهُ قِيمَةُ الطَّعَامِ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ مَاءٌ عَلَى طَرِيقِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْغَالِبُ شُرْبُهُ مِنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي طَعَامِ شَخْصٍ عَمَّا إذَا دَسَّهُ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ شَخْصٌ عَادَتُهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ، وَقَوْلُهُ: الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ نَادِرًا يَكُونُ هَدَرًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَفِيهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا فَقَوْلَانِ.
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَالْقِصَاصُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَوْجَرَ شَخْصًا سُمًّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، أَوْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ، وَكَذَا إكْرَاهُ جَاهِلٍ عَلَيْهِ لَا عَالِمٍ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute