وَلَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ، أَوْ مُغْرِقٍ لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا فَعَمْدٌ، وَإِنْ مَنَعَ عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعَالَجَةُ الْجِنَايَةِ بِمَا يَدْفَعُهَا.
(وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ) لَهُ (فَمَاتَ) مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) جَزْمًا عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عُولِجَ، وَالْجِرَاحَةُ فِي نَفْسِهَا مُهْلِكَةٌ. أَمَّا مَا لَا يُهْلِكُ كَأَنْ فَصَدَهُ فَلَمْ يَعْصِبْ الْعِرْقَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَعِنْدَهُ مَا يَأْكُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ (وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ) رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ (لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا) بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا) أَوْ جَالِسًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا (حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ، فَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ الْمَذْكُورِ مَكْتُوفًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ (أَوْ) أَلْقَى رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِي مَاءٍ (مُغْرِقٍ) كَنَهْرٍ (لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرُ سَبَحَ فِي الْمَاءِ: عَامَ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ) مَعَ إحْسَانِهَا (مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا) أَوْ ضَعِيفًا فَهَلَكَ بِذَلِكَ (فَعَمْدٌ) فِيهِ قِصَاصٌ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُتَوَقَّعُ الْخَلَاصُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ كَلُجَّةِ بَحْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءً أَكَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ) أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصَ بِسِبَاحَةٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ (مَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ، كَرِيحٍ وَمَوْجٍ) فَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) تَجِبُ دِيَتُهُ.
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِطُرُوِّ الْعَارِضِ، وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِلْقَاءِ يَجِبُ الْقَوَدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ (وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ) سِبَاحَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَتَعَلُّقٍ بِزَوْرَقٍ (فَتَرَكَهَا) بِاخْتِيَارِهِ كَأَنْ تَرَكَهَا حُزْنًا أَوْ لَجَاجًا (فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِقَوْلِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ، وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنْ السِّبَاحَةِ دَهْشَةٌ أَوْ عَارِضٌ بَاطِنِيٌّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي: كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْتُهُ فِيهِ فَقَصَّرَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ: لَمْ يُمْكِنْهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ. فَرْعٌ: لَوْ رَبَطَهُ وَطَرَحَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ إلَيْهِ غَالِبًا كَالْمَدِّ بِالْبَصْرَةِ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّعُ زِيَادَةً فَاتَّفَقَ سَيْلٌ نَادِرٌ فَخَطَأٌ (أَوْ) أَلْقَاهُ (فِي نَارٍ يُمْكِنُ) مَعَهَا (الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا) حَتَّى مَاتَ (فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ) فِي الْمَاءِ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، وَيُعْرَفُ الْإِمْكَانُ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute