وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ.
وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي النَّارِ وَجْهٌ وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ، أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُرْدِي
ــ
[مغني المحتاج]
جَانِبِهِ أَرْضٌ لَا نَارَ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْقِي وَالْوَلِيُّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ، وَقِيلَ: الْمُلْقِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ) وَهُمَا الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ (وَفِي) الْإِلْقَاءِ فِي (النَّارِ وَجْهٌ) بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّارَ تَحْرُقُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهَا وَتُؤَثِّرُ قُرُوحَاتٍ قَاتِلَةً، بِخِلَافِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَاءِ وَجْهًا أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ، فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِ الْمَتْنِ، وَعَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَى الْمُلْقِي أَرْشُ مَا أَثَّرَتْ النَّارُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْإِلْقَاءِ إلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّصِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَرْشَ عُضْوٍ أَمْ حُكُومَةً، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرٌ لِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِعِظَمِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا فِي وَهْدَةٍ أَوْ كَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
تَنْبِيهٌ: إذَا اجْتَمَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ السَّبَبِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَدْ يَغْلِبُ السَّبَبُ الْمُبَاشَرَةَ كَمَا مَرَّ فِي شُهُودِ الزُّورِ إذَا اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ دُونَ الْوَلِيِّ وَالْقَاضِي الْجَاهِلَيْنِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَقَدْ تَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ كَمَا قَالَ.
(وَلَوْ أَمْسَكَهُ) شَخْصٌ (فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا) وَلَوْ عُدْوَانًا (فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ) وَالتَّرْدِيَةُ تَقْتُلُ غَالِبًا (أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ) أَيْ مَكَانٍ عَالٍ (فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ) أَيْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ مَثَلًا قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ، وَالْقَدُّ لُغَةً: هُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطُّ عَرْضًا كَقَطِّ الْقَلَمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ حَتَّى جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ رَفْعَهُ.
وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُمْسِكِ الْمَرْأَةِ لِلزِّنَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَهُ، وَكَمَا لَا قِصَاصَ لَا دِيَةَ بَلْ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ آثِمٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ " يُحْبَسُ ". نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ رَقِيقًا كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمُمْسِكِ بِالْيَدِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ ثَمَّ ضَمَانُ يَدٍ، وَهُنَا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَجَعَلُوا سَلَبَ الْقَتِيلِ لِلْقَاتِلِ وَالْمُمْسِكِ لِانْدِفَاعِ شَرِّ الْكَافِرِ بِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا، فَلَوْ أَمْسَكَهُ وَعَرَّضَهُ لِمَجْنُونٍ أَوْ سَبُعٍ ضَارٍ فَقَتَلَهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُمْسِكِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلًا عُرْفًا، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَضَعَ صَغِيرًا عَلَى هَدَفٍ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا قَبْلَهُ فَأَصَابَهُ سَهْمُ الرَّامِي فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُقَدِّمِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي دُونَ الرَّامِي لِأَنَّهُ كَالْحَافِرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ (وَ) عَلَى (الْمُرْدِي) فِي الثَّانِيَةِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ وَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute