للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.

(وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفْوِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) فِي الْأَصَحِّ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ أَمْ لَا، لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقَوَدِ سَقَطَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْوَكِيلُ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِالْعَزْلِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ الْإِقْدَامُ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ.

تَنْبِيهٌ: بَادَرَ: لُغَةٌ فِي بَدَرَ (وَقِيلَ لَا) قِصَاصَ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِعَفْوِ غَيْرِهِ (وَ) لَمْ (يَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ) أَيْ بِنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُبَادِرِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُ جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ أَحَدُهُمَا كَافٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ فَيَصِحُّ، وَيُوَجَّهُ عَدَمُ الْقِصَاصِ فِي نَفْيِهِمَا أَوْ الْعِلْمُ فَقَطْ بِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ بِشُبْهَةٍ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلَانِ كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحٍ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ جَزْمًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَفْوِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالسُّقُوطِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْجَانِي فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَارِثُ الْجَانِي عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ: مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ (وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِيفَاءِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، وَكَذَا الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.

فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَفِيدُ بِوِلَايَتِهِ إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْإِمَامِ، بَلْ يَكْفِي إذْنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ أَوْ نَائِبِهِ وَحُضُورُ شَاهِدَيْنِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ، وَأَمْرُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ وَبِالْوَصِيَّةِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَبِالتَّوْبَةِ وَالرِّفْقُ فِي سَوْقِهِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ وَشَدُّ عَيْنَيْهِ وَتَرْكُهُ مَمْدُودَ الْعُنُقِ وَكَوْنُ السَّيْفِ صَارِمًا إلَّا إنْ قَتَلَ بِكَالٍّ فَيُقْتَصُّ بِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ السَّيْفُ مَسْمُومًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ إذْنِ الْإِمَامِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا: السَّيِّدُ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ مِنْ رَقِيقِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. ثَانِيهَا: إذَا انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَفِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا كَانَ بِمَكَانٍ لَا إمَامَ فِيهِ، وَيُوَافِقُهُمَا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرٌ وَكَانَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>