للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ مَاتَ جَانٍ مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ وَإِنْ مَاتَا سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَدْ اقْتَصَّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ يَمِينٍ أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَمُهْدَرَةٌ

ــ

[مغني المحتاج]

يُقَابِلُ دِيَتَهَا، وَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْحُرُّ بِالسِّرَايَةِ سَقَطَ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَبَاقِي الدِّيَةِ، إذْ عِتْقُهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ.

(وَلَوْ مَاتَ جَانٍ) سِرَايَةً (مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ) نَفْسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: ٤١] الْآيَةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «مَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَالْحَقُّ قَتْلُهُ» وَلِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعٍ مُسْتَحَقٍّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِسِرَايَتِهِ ضَمَانٌ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ (وَإِنْ مَاتَا) أَيْ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ مِنْهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ (سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) أَيْ سَبَقَ مَوْتُهُ مَوْتَ الْجَانِي (فَقَدْ اقْتَصَّ) أَيْ حَصَلَ قِصَاصُ الْيَدِ بِقَطْعِ يَدِ الْجَانِي وَالسِّرَايَةُ بِالسِّرَايَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمَّا كَانَتْ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْجِنَايَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ (وَإِنْ تَأَخَّرَ) مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ الْجَانِي سِرَايَةً (فَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (نِصْفُ الدِّيَةِ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي (فِي الْأَصَحِّ) إذَا اسْتَوَيَا دِيَةً، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ مَاتَ سِرَايَةً بِفِعْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ يَدَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ النَّفْسَ، أَوْ فِي مُوضِحَةٍ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَقَدْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْآتِيَةَ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الدَّهْشَةِ، وَلِلْمُخْرِجِ فِيهَا أَحْوَالٌ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِبَاحَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ قَالَ) مُكَلَّفٌ (مُسْتَحِقُّ) قِصَاصِ (يَمِينٍ) لِلْجَانِي (أَخْرِجْهَا) أَيْ يَمِينَكَ (فَأَخْرَجَ) لَهُ (يَسَارَهُ) عَالِمًا بِهَا وَبِعَدَمِ إجْزَائِهَا (وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا) فَقَطَعَهَا، وَهُوَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْتَحِقٌّ قِصَاصَ الْيَمِينِ (فَمُهْدَرَةٌ) لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ مَعَ ظَنِّ الْإِجْزَاءِ أَمْ لَا، جَعَلَهَا عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا بَذَلَهَا مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: نَاوِلْنِي مَتَاعَكَ لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَنَاوَلَهُ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ إذَا أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إذَا مَاتَ الْمُبِيحُ أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ أَوْ جَعَلَهَا عِوَضًا فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ وَقَعَتْ هَدَرًا، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ: الْمَجْنُونُ، فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَطَعَهَا الْمُقْتَصُّ عَالِمًا بِالْحَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَجْنِيَ عَاقِلًا ثُمَّ يُجَنَّ وَإِلَّا فَالْمَجْنُونُ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَبِالْحُرِّ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ لَا تُهْدَرُ يَسَارُهُ بِإِبَاحَتِهَا قَطْعًا، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْقَاطِعُ رَقِيقًا: وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>