وَرَجَبٍ.
أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ فَمُثَلَّثَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ابْتِدَاءً أَوَّلُ السَّنَةِ (وَرَجَبٍ) وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاجِبَ وَرَجَائِبَ وَرُجُوبٍ وَرَجَبَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ، وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ: لَمْ يُعَذِّبْ اللَّهُ أُمَّةً فِي شَهْرِ رَجَبٍ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ، فَمُثَلَّثَةٌ دِيَةُ هَذَا الْمَقْتُولِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَدِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا نُذِرَ صِيَامُهَا أَيْ مُرَتَّبَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْدَأُ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُحَرَّمِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَمَى فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَصَابَ فِي غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ جَرَحَهُ فِيهَا وَمَاتَ فِي غَيْرِهَا أَوْ عَكْسُهُ أَنْ تُغَلَّظَ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ.
وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ شَخْصٌ قَرِيبًا لَهُ (مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ) كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ السَّابِقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَمُثَلَّثَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - غَلَّظُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ عَنْ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ عَنْ الرَّحِمِ كَمَا فِي الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَلَا يَغْلُظُ بِهَا الْقَتْلُ قَطْعًا. ثَانِيَتُهَا أَنْ تَنْفَرِدَ الرَّحِمِيَّةُ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ فَلَا تَغْلُظُ فِيهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْقَرَابَةِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِي الرَّحِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا.
تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَتَلَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ بِنْتَ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِيَّةِ بِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ، وَقَطْعِ الطَّرَفِ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا يَدْخُلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ قِيَمِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ بِالْحَرَمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى النَّصِّ خِلَافَهُ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَتَضَاعَفُ بِالتَّغْلِيظِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى بِنِهَايَتِهِ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَنَظِيرُهُ الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ كَعَدَمِ التَّثْلِيثِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ.
فَرْعٌ: الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَوْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَقَتَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute