إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ.
[فَرْعٌ] فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَسْلُوخِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّ فِي الْجِلْدِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ بَقِيَ) فِيهِ (حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) إلَّا أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ فِيهِ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ فُرِضَتْ الْحَيَاةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ سَلْخِهِ اهـ.
(وَ) مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ السَّلْخِ كَأَنْ (حَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ) بَعْدَ السَّلْخِ فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ رُوحَهُ وَعَلَى السَّالِخِ الدِّيَةُ، وَمِثْلُ حَزِّ غَيْرِ السَّالِخِ مَا لَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ حَائِطٌ أَوْ نَحْوُهُ، فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ السَّلْخِ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ حَزَّ السَّالِخُ رَقَبَتَهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ النَّفْسِ إنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَزُّ الرَّقَبَةِ إلَّا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ.
تَتِمَّةٌ: فِي كَسْرِ التَّرْقُوَةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ: الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ حُكُومَةٌ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ فِيهَا جَمَلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْحُكُومَةَ كَانَتْ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ تَرْقُوَتَانِ، وَالْجَمْعُ تَرَاقٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة: ٢٦] وَالضَّمِيرُ فِي بَلَغَتْ لِلنَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى ... إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ
فَائِدَةٌ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اُحْتُضِرَ جَلَسَتْ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ تَبْكِيهِ وَتُكَرِّرُ هَذَا الْبَيْتَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لَا تَقُولِي هَكَذَا وَلَكِنْ قَوْلِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: ١٩] وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ: إزَالَةُ الْمَنَافِعِ بِالْجِنَايَةِ وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَرْعٌ: وَتَرْجَمَ فِي الْمُحَرَّرِ بِفَصْلٍ وَهُوَ أَوْلَى، وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ: عَقْلٌ، سَمْعٌ، بَصَرٌ، شَمٌّ، نُطْقٌ، صَوْتٌ، ذَوْقٌ، مَضْغٌ، إمْنَاءٌ، إحْبَالٌ، جِمَاعٌ، إفْضَاءٌ، بَطْشٌ، مَشْيٌ. الشَّيْءُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فِي الْعَقْلِ) أَيْ إزَالَتِهِ إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا (دِيَةٌ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ، فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute