للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا، وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ.

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْقِسْطِ إنْ ضُبِطَ بِزَمَانٍ كَأَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أَوْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ دِيَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ: كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنُّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا، وَقَوْلُهُ: سِنُّ مَثْغُورٍ صَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: سِنُّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ، فَالْمُشَاحَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى الْمُتَوَلِّي، لَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ.

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ، فَقِيلَ الْقَلْبُ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ وَتَدْبِيرُهُ فِي الْقَلْبِ. وَيُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ التَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ، وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى دِيَةِ الْعَقْلِ إنْ زَالَ بِمَا لَا أَرْشَ لَهُ كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ أَوْ لَطَمَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ.

(فَإِنْ زَالَ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ (بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ) مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ (أَوْ حُكُومَةٌ) كَالْبَاضِعَةِ (وَجَبَا) أَيْ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ أَوْ هِيَ وَالْحُكُومَةُ، وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً غَيْرَ حَالَّةٍ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ، وَكَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْجِنَايَةُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) فَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَكْثَرَ كَأَنْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهِ دِيَةُ الْعَقْلِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَيَا كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ التَّدَاخُلُ أَيْضًا.

(وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ) أَيْ الْعَقْلِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي وَنَسَبَهُ إلَى التَّجَانُنِ اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ.

فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ، وَالِاخْتِبَارُ لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ، وَلَا بُدَّ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الزَّوَالِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ تَحْتَمِلُ زَوَالَ الْعَقْلِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَحُصُولِ الْمَوْتِ بِصَعْقَةٍ خَفِيفَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>