للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ، وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ.

وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ.

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: أَيْ ادَّعَى ذَلِكَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الدَّعْوَى مِنْ وَلِيٍّ أَوْ مَنْصُوبِ حَاكِمٍ، وَالشَّارِحُ قَدَّرَ بَعْدُ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَيْضًا، إذْ كَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَالَ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ: وَاسْتُشْكِلَ سَمَاعُ دَعْوَاهُ لِتَضَمُّنِهِ زَوَالَ عَقْلِهِ، وَأُوِّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ادَّعَى وَلِيُّهُ، وَمِنْهُ مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ اهـ.

وَلَوْ قَدَّرَ هَذَا أَوَّلًا كَانَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُقْرَأُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيُقَدَّرُ بِمَا ذُكِرَ.

الشَّيْءُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي السَّمْعِ) أَيْ إزَالَتِهِ (دِيَةٌ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ، وَالْبَصَرُ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ، فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكَثَرَ كَانَ أَشْرَفَ.

تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ، فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالُوا: لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا وَلَكِنْ انْسَدَّ مَنْفَذُ السَّمْعِ وَالسَّمْعُ بَاقٍ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ، فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَ) فِي إزَالَتِهِ (مِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ) مِنْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ، إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ) مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ بِحَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

(وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ) (فَدِيَتَانِ) لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَعَمِيَ. فَائِدَةٌ: السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ: خَرْقُ الْأُذُنِ يُدْرَكُ بِهَا الصَّوْتُ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلْقِ اللَّهِ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْوُصُولِ.

(وَلَوْ) (ادَّعَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (زَوَالَهُ) أَيْ السَّمْعِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي (وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ) (فَكَاذِبٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ.

تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ بِكَاذِبٍ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ أَنَّ سَمْعَهُ لَبَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْزِعَاجُ بِالصِّيَاحِ، بَلْ الرَّعْدِ وَطَرْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>