وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ جَازَ
ــ
[مغني المحتاج]
لِجَامَهَا وَيُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَامِلُ لِلسَّرِيرِ غَيْرُ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذُكِرَ، وَشَمَلَتْ عِبَارَتُهُ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ لِسُلُوكِهِمْ بِالْأَوَّلِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَلِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ فِي الثَّانِيَةِ الْقِيَامُ، وَفِعْلُهَا عَلَى الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ يَمْحُو صُورَتَهَا، فَإِنْ فَرَضَ إتْمَامَهَا عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ الْجَوَازِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي النَّفْلِ إنَّمَا كَانَتْ لِكَثْرَتِهِ وَتَكَرُّرِهِ، وَهَذِهِ نَادِرَةٌ.
وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يُصَلِّي فَرْضًا فِي سَفِينَةٍ تَرْكُ الْقِيَامِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَدَوَرَانِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ حَوَّلَتْهَا الرِّيحُ فَتَحَوَّلَ صَدْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهَا وَيَبْنِي إنْ عَادَ فَوْرًا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُصَلِّي الْمَصْلُوبُ أَوْ الْغَرِيقُ وَنَحْوُهُ حَيْثُ تَوَجَّهَ لِلضَّرُورَةِ وَيُعِيدُ.
(وَمَنْ صَلَّى) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ تَقْرِيبًا (أَوْ) صَلَّى (عَلَى سَطْحِهَا) أَوْ فِي عَرْصَتِهَا إذَا انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ) وَهُوَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ اسْتَقْبَلَ شَاخِصًا كَذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ أَوْ مَبْنِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ قَامَتِهِ طُولًا وَعَرْضًا (جَازَ) أَيْ مَا صَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ؛؛ لِأَنَّهُ مُوَاجِهٌ بِبَعْضِهِ جُزْءًا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا،؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» (١) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الشَّاخِصَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ كَأَنْ اسْتَقْبَلَ خَشَبَةً عَرْضُهَا ثُلُثَا ذِرَاعٍ مُعْتَرِضَةً فِي بَابِ الْكَعْبَةِ تُحَاذِي صَدْرَهُ فِي حَالِ قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ، وَفِي ذَلِكَ وَقْفُهُ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ سُجُودِهِ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ أُزِيلَ هَذَا الشَّاخِصُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى إلَى مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ أَوْ زَرْعٍ نَابِتٍ أَوْ خَشَبَةٍ مَغْرُوزَةٍ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَدُّوا الْأَوْتَادَ الْمَغْرُوزَةَ مِنْ الدَّارِ بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الدَّارِ فَلِمَ لَا يَعُدُّوا الْعَصَا الْمَغْرُوزَة فِي الْكَعْبَةِ مِنْهَا؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِغَرْزِ الْأَوْتَادِ فِي الدَّارِ لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ.
وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَلَوْ عَلَى جَبَلٍ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَاخِصٍ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُصَلِّي فِيهَا، وَالْغَرَضُ فِي الْقِبْلَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا، وَفِي الْبُعْدِ ظَنَّا فَلَا يَكْفِي إصَابَةُ الْجِهَةِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ.
فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرْفِهَا، وَخَرَجَ عَنْهُ بِبَعْضِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَلَوْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ