للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالِاجْتِهَادُ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعُدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَجْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ.

وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ الِانْحِرَافِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلُ الْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ.

وَلَوْ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ نَاسِيًا، وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَّرَ أَوْ أُمِيلَ عَنْهَا قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ. وَصَلَاةُ النَّفْلِ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ خَارِجَهَا، وَكَذَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ تُرْجَ جَمَاعَةٌ خَارِجَهَا، فَإِنْ رُجِيَتْ فَخَارِجُهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَاعَ خِلَافُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهَا.

(وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ بِحَيْثُ يُعَايِنُهَا، وَشَكَّ فِيهَا لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَ (حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ (وَالِاجْتِهَادُ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: حَرُمَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ لَشَمِلَهُ، فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِ الْمُخْبِرِ لَيْسَ تَقْلِيدًا.

وَلَوْ بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْعِيَانِ صَلَّى إلَيْهِ أَبَدًا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْمُعَايَنَةِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِالْمُعَايَنَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَفِي مَعْنَى الْمُعَايِنِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ، وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهَا حِينَ يُصَلِّي.

وَلَوْ حَالَ بَيْنَ الْحَاضِرِ بِمَكَّةَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ خَلْقِيٌّ كَجَبَلٍ أَوْ حَادِثٌ كَبِنَاءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَكْلِيفِ الْمُعَايَنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ بَنَى حَائِلًا مَنَعَ الْمُشَاهَدَةَ بِلَا حَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِتَفْرِيطِهِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ فَقْدِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنْ وُجِدَ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ مُعْظَمِ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمْ الْقَدِيمَةِ إنْ نَشَأَ بِهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ صَغُرَتْ وَخَرِبَتْ إنْ سَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْصَبْ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَدِلَّةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ عَنْ عِلْمٍ إلَّا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا فَيَجُوزُ إذْ لَا يَبْعُدُ الْخَطَأُ فِيهِمَا بِخِلَافِهِ فِي الْجِهَةِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَاجِدِهِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ عُلِمَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَطَأٍ.

فَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِيهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَخَيَالُهُ بَاطِلٌ، وَمَحَارِيبُهُ كُلُّ مَا ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمِحْرَابُ الَّذِي هُوَ الطَّاقُ الْمَعْرُوفُ.

وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ، سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قِبْلَةَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>