صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ.
وَلَوْ كَانَ بِأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
إذَا (صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ) أَصْلًا أَوْ ضَعِيفِ التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى بَالِغٍ مَجْنُونٍ أَوْ امْرَأَةٍ ضَعِيفَةِ الْعَقْلِ، وَكُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ كَائِنٌ (عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ) أَوْ شَفِيرِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ صَيْحَةً مُنْكَرَةً (فَوَقَعَ بِذَلِكَ) الصِّيَاحِ بِأَنْ ارْتَعَدَ بِهِ (فَمَاتَ) مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْأَلَمِ (فَدِيَةٌ) أَيْ فَفِيهِ دِيَةٌ (مُغَلَّظَةٌ) بِالتَّثْلِيثِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ (عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَتَأَثَّرُونَ بِذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) يَجِبُ فِيمَا ذُكِرَ (قِصَاصٌ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ بِهِ غَالِبٌ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ غَلَبَتَهُ وَيَجْعَلُ مُؤَثِّرَهُ شِبْهَ عَمْدٍ، سَوَاءٌ أَغَافَصَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَمْ وَاجَهَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مِلْكِ الصَّائِحِ أَمْ لَا.
تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ عِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالتَّقْيِيدُ بِهِ كَأَنَّهُ لُوحِظَ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ السُّقُوطِ بِالصِّيَاحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ الِارْتِعَادَ مُلَازِمٌ لِهَذِهِ الْحَالَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَمَاتَ مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ اهـ.
وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَحَذَفَهُ مِنْ الْكِتَابِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ بَلْ اخْتَلَّ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ضَمِنَ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ: مَا لَوْ صَاحَ عَلَى غَيْرِهِ فَوَقَعَ مِنْ الصِّيَاحِ فَهَلْ يَكُونُ هَدَرًا أَوْ كَمَا لَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمَا لَوْ صَاحَ بِدَابَّةِ الْغَيْرِ أَوْ هَيَّجَهَا بِوَثْبَةٍ فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ أَوْ وَهْدَةٍ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَالصَّبِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ السِّيَرِ، وَبِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْمُمَيِّزُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِوُقُوعِهِ. لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَالْبَالِغِ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ لَيْسَ كَالْبَالِغِ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِطَرَفِ سَطْحٍ مَا لَوْ كَانَ عَلَى وَسَطِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْأَرْضِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ غَيْرِهِ عَلَى سَطْحٍ، وَهِيَ أَعَمُّ.
(وَلَوْ كَانَ) الْمَصِيحُ عَلَيْهِ مِمَّنْ ذُكِرَ سَابِقًا (بِأَرْضٍ) مُسْتَوِيَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْ الصَّيْحَةِ (أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ) عَاقِلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ كَائِنٍ (بِطَرَفِ سَطْحٍ) فَسَقَطَ وَمَاتَ (فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ الصِّيَاحَ حَصَلَ بِهِ فِي الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ الْمَوْتُ، وَفِي الْبَالِغِ عَدَمُ التَّمَاسُكِ الْمُفْضِي إلَيْهِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَوْتَ الصَّبِيِّ بِمُجَرَّدِ الصِّيَاحِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَعَدَمُ تَمَاسُكِ الْبَالِغِ بِهِ خِلَافُ الْغَالِبِ مِنْ حَالِهِ فَيَكُونُ مَوْتُهُمَا مُوَافَقَةَ قَدَرٍ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقِصَاصِ قَطْعًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْبَالِغِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ: فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَمَنْ يَعْتَرِيهِ وَسْوَاسٌ، وَالنَّائِمُ وَالْمَرْأَةُ الضَّعِيفَةُ فَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَغِيرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute