للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِبَيِّنَةٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ يَقْتُلُ نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ مِنْ اسْمِ غَيْرِهِ إلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ، وَيَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ دِيَةٌ فِي مَالِ السَّاحِرِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُلْزِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ فِي الْوَجِيزِ: وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ: إنَّهُ وَهْمٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيَثْبُتُ السِّحْرُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ فَيُنْكِرَ وَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ إنَّ سِحْرَهُ كُفْرٌ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَفْسَرَ، إذْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي وَلَمْ أُمْرِضْهُ نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ: كَذَا قَالَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَمْ يَبْعُدْ، وَإِنْ قَالَ أَمْرَضْتُهُ بِهِ عُزِّرَ، فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ، فَإِنْ ادَّعَى السَّاحِرُ بَرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَاحْتُمِلَ بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُ بِسِحْرِي وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.

تَنْبِيهٌ: السِّحْرُ لُغَةً: صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، يُقَالُ مَا سَحَرَكَ عَنْ كَذَا: أَيْ صَرَفَكَ عَنْهُ. وَاصْطِلَاحًا: مُزَاوَلَةُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ لِأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَخْيِيلٌ أَوْ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ بِالْأَوَّلِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] [طَه] وَقَالَ بِالثَّانِي أَهْلُ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَالسَّاحِرُ قَدْ يَأْتِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ، وَيُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَعْلِيمًا، أَوْ تَعَلُّمًا، أَوْ فِعْلًا أَثِمَ، فَكُلٌّ مِنْهَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: يَجُوزُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْعَمَلِ بِهِ، بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادِ مُكَفِّرٍ كَفَرَ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَ (لَا) يَثْبُتُ السِّحْرُ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ قَصْدَ السَّاحِرِ وَلَا يُشَاهِدُ تَأْثِيرَ سِحْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السِّحْرِ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا: كَمَا لَوْ قَالَ: سَحَرْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، فَشَهِدَ عَدْلَانِ كَانَا سَاحِرَيْنِ ثُمَّ تَابَا بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ نَادِرًا فَيَثْبُتُ بِمَا يَشْهَدَانِ بِهِ.

فَائِدَةٌ: لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنْ السِّحْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْقِبْطُ أَيَّامَ دَلُوكَا مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا السِّحْرَ عَلَى الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهَا صُوَرَ عَسَاكِرِ الدُّنْيَا، فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>